وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ الله بن السَّائِبِ قَرَأ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ حَتَّى إذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وهَارُونَ أوْ ذِكْرُ عِيسَى أخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ
مُطَابقَة هَذَا التَّعْلِيق للجزء الرَّابِع للتَّرْجَمَة، لِأَن التَّرْجَمَة أَرْبَعَة أَجزَاء: فالجزء الرَّابِع هُوَ قَوْله: وبأول سُورَة، وَالَّذِي رَوَاهُ عبد الله بن السَّائِب يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ أول سُورَة الْمُؤمنِينَ إِلَى أَن وصل إِلَى قَوْله:{ثمَّ أرسلنَا مُوسَى وأخاه هَارُون}(الْمُؤْمِنُونَ: ٤٥) . أَخَذته سعلة فَقطع الْقِرَاءَة وَلم يكمل السُّورَة، فَدلَّ على أَنه لَا بَأْس بِقِرَاءَة بعض سُورَة والاقتصار عَلَيْهِ من غير تَكْمِيل السُّورَة، على مَا يَجِيء بَيَانه الْآن، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ بِلَفْظ: يذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهُوَ صِيغَة التمريض لِأَن فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا على ابْن جريج، فَقَالَ عُيَيْنَة: عَنهُ عَن أبي مليكَة عَن عبد الله السَّائِب، قَالَ أَبُو عَاصِم: عَنهُ عَن مُحَمَّد بن عباد عَن أبي سَلمَة ابْن سُفْيَان أَو سُفْيَان ابْن أبي سَلمَة عَن عبد الله بن السَّائِب، وَوَصله مُسلم فِي (صَحِيحه) وَقَالَ: حَدثنِي هَارُون بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج وحَدثني مُحَمَّد بن رَافع، وتقاربا فِي اللَّفْظ، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا ابْن جريج: قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عباد بن جَعْفَر يَقُول: أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة ابْن سُفْيَان وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الْمسيب العابدي، عَن عبد الله بن السَّائِب قَالَ:(صلى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح بِمَكَّة فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الْمُؤمنِينَ حَتَّى جَاءَ ذكر مُوسَى وَهَارُون، أَو ذكر عِيسَى، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، شكّ مُحَمَّد بن عباد أَو وَاخْتلفُوا عَلَيْهِ، أخذت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سعلة فَرَكَعَ وَعبد الله بن السَّائِب حَاضر ذَلِك) . وَفِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق فَحذف:(فَرَكَعَ) ، وَفِي حَدِيثه: وَعبد الله بن عَمْرو وَلم يقل: ابْن الْعَاصِ، وَعبد الله بن السَّائِب ابْن أبي السَّائِب، واسْمه: صَيْفِي بن عَابِد، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله ابْن عمر بن مَخْزُوم القريشي المَخْزُومِي الْقَارِي) يكنى: أَبَا السَّائِب، وَقيل: أَبُو عبد الرَّحْمَن، سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي بِمَكَّة قبل ابْن الزبير بِيَسِير، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَحَادِيث، وروى لَهُ مُسلم هَذَا الحَدِيث فَقَط، وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن السَّائِب، وَلَفظه:(حضرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة الْفَتْح صَلَاة الصُّبْح فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَة الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا أَتَى على ذكر مُوسَى وَعِيسَى أَو مُوسَى وهرون أَخَذته سعلة فَرَكَعَ) . انْتهى. وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده ذكر عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَلَا ذكر عبد الله بن الْمسيب، بل فِيهِ: عَن أبي سَلمَة عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن السَّائِب، وَقَالَ النَّوَوِيّ: ابْن الْعَاصِ غلط عِنْد الْحفاظ، وَلَيْسَ هَذَا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ الصَّحَابِيّ الْمَعْرُوف، بل هُوَ تَابِعِيّ حجازي. وَفِي (مُصَنف عبد الرَّزَّاق) : عَن عبد الله بن عَمْرو الْقَارِي، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله:(قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمنِينَ) أَي: سُورَة الْمُؤمنِينَ. قَوْله:(أَو ذكر عِيسَى) ، هُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة}(الْمُؤْمِنُونَ: ٥٠) . وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ على ذكر مُوسَى وَعِيسَى هُوَ قَوْله:{وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب لَعَلَّهُم يَهْتَدُونَ}(الْمُؤْمِنُونَ: ٤٩) . {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة}(الْمُؤْمِنُونَ: ٥٠) . قَوْله:(أَخَذته سعلة) ، بِفَتْح السِّين وَضمّهَا، وَعند ابْن مَاجَه:(فَلَمَّا بلغ ذكر عِيسَى وَأمه أَخَذته سعلة، أَو قَالَ: شهقة) . وَفِي رِوَايَة:(شرقة) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف. قَوْله فِي مُسلم:(الصُّبْح بِمَكَّة) ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ:(يَوْم الْفَتْح) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: اسْتِحْبَاب الْقِرَاءَة الطَّوِيلَة فِي صَلَاة الصُّبْح، وَلَكِن على قدر حَال الْجَمَاعَة. وَفِيه: جَوَاز قطع الْقِرَاءَة، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ، وَلَا كَرَاهَة إِن كَانَ الْقطع لعذر، وَإِن لم يكن لعذر فَلَا كَرَاهَة أَيْضا عِنْد الْجُمْهُور، وَعَن مَالك فِي الْمَشْهُور كَرَاهَته. وَفِيه: جَوَاز الْقِرَاءَة بِبَعْض السُّور، وَفِي (شرح الْهِدَايَة) : إِن قَرَأَ بعض سُورَة فِي رَكْعَة وَبَعضهَا فِي الثَّانِيَة الصَّحِيح أَنه لَا يكره، وَقيل: يكره، وَيُجَاب عَن حَدِيث سعلته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه إِنَّمَا كَانَ قِرَاءَته لبعضها لأجل السعلة، والطَّحَاوِي منع هَذَا الْجَواب فِي (مَعَاني الْآثَار) ، فَقَالَ عقيب رِوَايَة حَدِيث السعلة: فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا فعل ذَلِك للسعلة الَّتِي عرضت، قيل لَهُ: فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر بآيتين من الْقُرْآن، وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي: بَاب الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتي الْفجْر. انْتهى. قلت: الَّذِي ذكره فِي هَذَا الْبَاب هُوَ مَا رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس، أَنه قَالَ:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر فِي الأولى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} (الْبَقَرَة: ١٣٦) . الْآيَة، وَفِي الثَّانِيَة:{آمنا بِاللَّه وَأشْهد بِأَنا مُسلمُونَ}(آل عمرَان: ٥٢) .