ذكرهَا الْجِرْجَانِيّ فِي (أَمَالِيهِ) قيل: إِنَّهَا شَاذَّة لِأَن ابْن الْجَارُود روى فِي (الْمُنْتَقى) : عَن بَحر بن نصر بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن حَرْمَلَة، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَالَّذِي وَقع فِي نُسْخَة لِابْنِ مَاجَه: عَن هِشَام بن عمار وَأبي بكر ابْن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِإِثْبَات هَذِه الزِّيَادَة غير صَحِيح، لِأَن ابْن أبي شيبَة قد روى هَذَا الحَدِيث فِي (مُسْنده) و (مُصَنفه) بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَكَذَلِكَ الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة مثل الْحميدِي وَابْن الْمَدِينِيّ وَغَيرهمَا رووا بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، ثمَّ قَوْله: (غفر) ، ظَاهره يعم غفران جَمِيع الذُّنُوب الْمَاضِيَة إلاّ مَا يتَعَلَّق بِحُقُوق النَّاس، وَذَلِكَ مَعْلُوم من الْأَدِلَّة الخارجية المخصصة لعمومات مثله، وَأما الْكَبَائِر فَإِن عُمُوم اللَّفْظ يَقْتَضِي الْمَغْفِرَة، ويستدل بِالْعَام مَا لم يظْهر الْمُخَصّص.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن شهَاب) إِلَى آخِره، صورته صُورَة إرْسَال لَكِن مُتَّصِل إِلَيْهِ بِرِوَايَة عَنهُ، وَلَيْسَ بتعليق، وَوَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الغرائب) من طَرِيق حَفْص بن عمر الْعَدنِي عَن مَالك، وَقَالَ: تفرد بِهِ حَفْص ابْن عمر، وَهُوَ ضَعِيف، وَيُؤَيّد مَا ذكره ابْن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث من حَيْثُ الْمَعْنى مَا أخرجه النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قَالَ الإِمَام: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين، فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين، وَإِن الإِمَام يَقُول: آمين، فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الإِمَام يُؤمن، خلافًا لمَالِك، كَمَا قَالَ بَعضهم عَنهُ، وَفِي (الْمُعَارضَة) قَالَ مَالك: لَا يُؤمن الإِمَام فِي صَلَاة الْجَهْر، وَقَالَ ابْن حبيب: يُؤمن، وَقَالَ ابْن بكير: هُوَ بِالْخِيَارِ، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الإِمَام لَا يَأْتِي بِهِ فَإِن قلت: مَا جَوَابه عَن الحَدِيث على هَذِه الرِّوَايَة؟ قلت: جَوَابه أَنه إِنَّمَا سمي الإِمَام مُؤمنا بِاعْتِبَار التَّسَبُّب، والمسبب يجوز أَن يُسمى باسم الْمُبَاشر، كَمَا يُقَال: بنى الْأَمِير دَاره، وَاسْتدلَّ بعض الْمَالِكِيَّة لمَالِك أَن الإِمَام لَا يَقُولهَا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قَالَ الإِمَام: {وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين) ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم ذَلِك بَينه وَبَين الْقَوْم، وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة، وحملوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أَمن الإِمَام) على بُلُوغ مَوضِع التَّأْمِين، وَقَالُوا: سنة الدُّعَاء تَأْمِين السَّامع دون الدَّاعِي، وَآخر الْفَاتِحَة دُعَاء فَلَا يُؤمن الإِمَام، لِأَنَّهُ دَاع. وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: هَذَا غلط بل الدَّاعِي أولى بالاستيجاب، واستبعد أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ تأويلهم لُغَة وَشرعا، وَقَالَ: الإِمَام أحد الداعين وأولهم وأولاهم.
وَفِيه: أَن الْمُؤْتَم يَقُولهَا بِلَا خلاف.
وَفِيه: رد على الإمامية فِي قَوْلهم: إِن التَّأْمِين يبطل الصَّلَاة، لِأَنَّهُ لفظ لَيْسَ بقرآن وَلَا ذكر. وَقَالَ السفاقسي: وَزَعَمت طَائِفَة من المبتدعة أَن لَا فَضِيلَة فِيهَا، وَعَن بَعضهم: إِنَّهَا تفْسد الصَّلَاة، وَقَالَ ابْن حزم: يَقُولهَا الإِمَام سنة وَالْمَأْمُوم فرضا.
وَفِيه أَنه مِمَّا تمسك بِهِ الشَّافِعِي فِي الْجَهْر بالتأمين، وَذكر الْمُزنِيّ فِي (مُخْتَصره) : وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجْهر الإِمَام فِي الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُوم يُخَافت. وَفِي (الْخُلَاصَة) للغزالي: وَمن سنَن الصَّلَاة أَن يجْهر بالتأمين فِي الجهرية، وَفِي (التَّلْوِيح) : ويجهر فِيهَا الْمَأْمُوم عِنْد أَحْمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد، وَقَالَ جمَاعَة: يخفيها، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة والكوفيين وَأحد قولي مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد، وَفِي الْقَدِيم: يجْهر، وَعَن القَاضِي حُسَيْن عَكسه، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ غلط، وَلَعَلَّه من النَّاسِخ، وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو يعلى الْموصِلِي فِي (مسانيدهم) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث شُعْبَة عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس (عَن عَلْقَمَة بن وَائِل عَن أَبِيه أَنه: صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بلغ {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، وأخفى بهَا صَوته) . وَلَفظ الْحَاكِم فِي كتاب (الْقرَاءَات) : (وخفض بهَا صَوته) . وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس عَن وَائِل بن حجر، وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ: {وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، وَرفع بهَا صَوته) وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: (وَمد بهَا صَوته) ، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق آخر عَن عَليّ بن صَالح، وَيُقَال الْعَلَاء بن صَالح الْأَسدي، عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس (عَن وَائِل بن حجر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه: صلى فجهر بآمين، وَسلم عَن يَمِينه وشماله وسكتا عَنهُ) . وروى النَّسَائِيّ: أخبرنَا قُتَيْبَة حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن عبد الْجَبَّار بن وَائِل (عَن أَبِيه، قَالَ: صليت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute