الحَدِيث وجود الْقُنُوت لَا وُقُوعه فِي الصَّلَوَات الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهُ مَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة، وَالظَّاهِر أَن جَمِيعه مَرْفُوع، يدل عَلَيْهِ:(لأقربن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (لأقربن لكم صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، ثمَّ إِنَّه فسر ذَلِك بقوله:(فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة) إِلَى آخِره، و: الْفَاء فِيهِ تفسيرية. قَوْله:(فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة) ، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:(فِي الرَّكْعَة الْأُخْرَى) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتدلَّ بِهِ من يرى بِالْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَات الْمَذْكُور، وَعند الظَّاهِرِيَّة: الْقُنُوت فعل حسن فِي جَمِيع الصَّلَوَات، وَعند ابْن سِيرِين وَابْن أبي ليلى وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: الْقُنُوت فِي الْفجْر بعد الرُّكُوع، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن أبي بكر الصّديق وَعمر وَعُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فِي قَول، وَعند مَالك وَابْن أبي ليلى وَأحمد فِي رِوَايَة: هُوَ قبل الرُّكُوع. وَعند أبي حنيفَة: الْقُنُوت فِي الْوتر خَاصَّة قبل الرُّكُوع. وَحكى ابْن الْمُنْذر كَذَلِك عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ والبراء بن عَازِب وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأنس وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَعبيدَة السَّلمَانِي وَحميد الطَّوِيل وَعبد الله بن الْمُبَارك. وَحكى ابْن الْمُنْذر أَيْضا التَّخْيِير قبل الرُّكُوع وَبعده عَن أنس وَأَيوب ابْن أبي نميمة وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو دَاوُد، قَالَ أَحْمد: كل مَا روى البصريون عَن عمر فِي الْقُنُوت فَهُوَ بعد الرُّكُوع، وروى الْكُوفِيُّونَ قبل الرُّكُوع. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: لَا يقنت فِي الْفجْر إِلَّا عِنْد نازلة تنزل بِالْمُسْلِمين، فَإِذا نزلت نازلة فللإمام أَن يَدْعُو لجيوش الْمُسلمين. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: إِن قنت فِي الْفجْر فَحسن، وَإِن لم يقنت فَحسن، وَاخْتَارَ أَن لَا يقنت، وَلم ير ابْن الْمُبَارك الْقُنُوت فِي الْفجْر. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا الْمقدمِي حَدثنَا أَبُو معشر حَدثنَا أَبُو حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ:(قنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا يَدْعُو على عصية وذكوان، فَلَمَّا ظهر عَلَيْهِم ترك الْقُنُوت) . وَكَانَ ابْن مَسْعُود لَا يقنت فِي صلَاته. ثمَّ قَالَ: فَهَذَا ابْن مَسْعُود يخبر أَن قنوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كَانَ يقنته إِنَّمَا كَانَ من أجل من كَانَ يَدْعُو عَلَيْهِ، وَأَنه قد كَانَ ترك ذَلِك فَصَارَ الْقُنُوت مَنْسُوخا، فَلم يكن هُوَ من بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت. وَكَانَ أحد من روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا عبد الله بن عمر، ثمَّ أخبر أَن الله عز وَجل نسخ ذَلِك حِين أنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:{لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ}(آل عمرَان: ١٢٨) . فَصَارَ ذَلِك عِنْد ابْن عمر مَنْسُوخا أَيْضا، فَلم يكن هُوَ يقنت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يُنكر على من كَانَ يقنت، وَكَانَ أحد من روى عَنهُ الْقُنُوت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، فَأخْبر فِي حَدِيثه بِأَن مَا كَانَ يقنت بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُعَاء على من كَانَ يَدْعُو عَلَيْهِ، وَأَن الله عز وَجل نسخ ذَلِك بقوله:{لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم}(آل عمرَان: ١٢٨) . الْآيَة فَفِي ذَلِك أَيْضا وجوب وجوب ترك الْقُنُوت فِي الْفجْر. فَإِن قلت: قد ثَبت عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يقنت فِي الصُّبْح بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكيف تكون الْآيَة ناسخة لجملة الْقُنُوت؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون نزُول هَذِه الْآيَة لم يكن أَبُو هُرَيْرَة علمه، فَكَانَ يعْمل على مَا علم من فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقنوته إِلَى أَن مَاتَ، لِأَن الْحجَّة لم تثبت عِنْده بِخِلَاف ذَلِك، ألَا ترى إِلَى أَن عبد الله بن عمر وَعبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، لما علما بنزول هَذِه الْآيَة وعلما كَونهَا ناسخة لما كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يفعل تركا الْقُنُوت.
١٨٦ - (حَدثنَا عبد الله بن أبي الْأسود قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن خَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ الْقُنُوت فِي الْمغرب وَالْفَجْر) قد ذكرنَا وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا فِي أول بَاب مُجَردا. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عبد الله بن مُحَمَّد ابْن أبي الْأسود وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود أَبُو بكر الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي إِسْمَاعِيل بن علية. الثَّالِث خَالِد بن مهْرَان الْحذاء. الرَّابِع أَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد بن عَمْرو الْجرْمِي. الْخَامِس أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده والْحَدِيث أخرجه