ابْن رَافع، بالراء وبالفاء: ابْن مَالك الزرقي، شهد الْمشَاهد، رُوِيَ لَهُ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، للْبُخَارِيّ ثَلَاثَة، مَاتَ زمن مُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: عَن عَليّ بن يحيى، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة: أَن عَليّ بن يحيى حَدثهُ. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم مدنيون. وَفِيه: رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر، لِأَن نعيما أكبر سنا من عَليّ بن يحيى، وأقدم سَمَاعا مِنْهُ. وَفِيه: رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد، وهم من بَين مَالك والصحابي. وَفِيه: من وَجه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، لِأَن يحيى بن خَلاد مَذْكُور فِي الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن مسلمة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (يَوْمًا) ، يَعْنِي: فِي يَوْم من الْأَيَّام. قَوْله: (قَالَ رجل وَرَاءه) أَي: وَرَاء النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَفظ: وَرَاءه، فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَلَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة غَيره، وَالْمرَاد بِهَذَا الرجل هُوَ: رِفَاعَة بن رَافع رَاوِي الْخَبَر، قَالَه ابْن بشكوال، وَاحْتج فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيره: عَن قُتَيْبَة عَن رِفَاعَة بن يحيى الزرقي عَن عَم أَبِيه معَاذ بن رِفَاعَة عَن أَبِيه، قَالَ: (صليت خلف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعطست فَقلت: الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يحب ربُّنا ويرضى. فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، انْصَرف فَقَالَ: من الْمُتَكَلّم فِي الصَّلَاة؟ فَلم يكلمهُ أحد، ثمَّ قَالَهَا الثَّانِيَة: من الْمُتَكَلّم فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ رِفَاعَة بن رَافع: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: كَيفَ قلت؟ قَالَ: الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يحب رَبنَا ويرضى، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لقد رَأَيْت بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا أَيهمْ يصعد بهَا) . انْتهى. قيل: هَذَا التَّفْسِير فِيهِ نظر لاخْتِلَاف الْقِصَّة؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا تعَارض بَين الْحَدِيثين لاحْتِمَال أَنه وَقع عطاسه عِنْد رفع رَأس النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر نَفسه فِي حَدِيث الْبَاب لقصد إخفاء عمله وَطَرِيق التَّجْرِيد، وَيجوز أَن يكون بعض الروَاة نسي اسْمه وَذكره بِلَفْظ الرجل، وَأما الزِّيَادَة الَّتِي فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فلاختصار الرَّاوِي إِيَّاهَا، فَلَا يضر ذَلِك. فَإِن قلت: مَا هَذِه الصَّلَاة الَّتِي ذكرهَا رِفَاعَة بقوله: (كُنَّا نصلي يَوْمًا) ؟ قلت: بَين ذَلِك بشر بن عمر الزهْرَانِي فِي رِوَايَته عَن رِفَاعَة أَن هَذِه الصَّلَاة كَانَت صَلَاة الْمغرب. قَوْله: (حمدا) ، مَنْصُوب بِفعل مُضْمر دلّ عَلَيْهِ. قَوْله: (لَك الْحَمد) . قَوْله: (طيبا) أَي: خَالِصا عَن الرِّيَاء والسمعة. قَوْله: (مُبَارَكًا فِيهِ) ، أَي: كثير الْخَيْر. وَأما قَوْله فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (مُبَارَكًا عَلَيْهِ) ، فَالظَّاهِر أَنه تَأْكِيد للْأولِ:. وَقيل: الأول بِمَعْنى الزِّيَادَة وَالثَّانِي بِمَعْنى الْبَقَاء. قَوْله: (فَلَمَّا انْصَرف) أَي: من صلَاته. قَوْله: (قَالَ: من الْمُتَكَلّم؟) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُتَكَلّم بِهَذِهِ الْكَلِمَات؟ قَوْله: (بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا) ، ويروى: بضعا وَثَلَاثِينَ) ، والبضع، بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا: هُوَ مَا بَين الثَّلَاث وَالتسع. تَقول بضع سِنِين، وَبضْعَة عشر رجلا وَقَالَ الْجَوْهَرِي، إِذا جَاوَزت الْعشْرَة ذهب الْبضْع، لَا تَقول: بضع وَعِشْرُونَ. قلت: الحَدِيث يرد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفْصح الفصحاء، وَقد تكلم بِهِ. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص هَذَا الْعدَد بِهَذَا الْمِقْدَار؟ قلت قد استفتح عَليّ هَهُنَا من الْفَيْض الإلهي أَن حُرُوف هَذِه الْكَلِمَات أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حرفا، فَأنْزل الله تَعَالَى بِعَدَد حروفها مَلَائِكَة، فَتكون أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ ملكا فِي مُقَابلَة كل حرف ملك، تَعْظِيمًا لهَذِهِ الْكَلِمَات، وَقس على هَذَا مَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ الَّتِي ذَكرنَاهَا الْآن، وعَلى هَذَا أَيْضا مَا وَقع فِي حَدِيث مُسلم من رِوَايَة أنس: (لقد رَأَيْت اثْنَي عشر ملكا يبتدرونها) . وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب عِنْد الطَّبَرَانِيّ: (ثَلَاثَة عشر) ، فَإِن قلت: هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة غير الْحفظَة أم لَا؟ قلت: الظَّاهِر أَنهم غَيرهم، وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَنهُ مَرْفُوعا: (ان لله مَلَائِكَة يطوفون فِي الطَّرِيق ويلتمسون أهل الذّكر) ، وَقد يسْتَدلّ بِهَذَا أَن بعض الطَّاعَات قد يَكْتُبهَا غير الْحفظَة. قَوْله: (قَالَ: أَنا) ، أَي: قَالَ الرجل: أَنا الْمُتَكَلّم يَا رَسُول الله. فَإِن قلت: كرر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُؤَاله فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ كَمَا مر، والإجابة كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ، بل وعَلى غَيره أَيْضا مِمَّن سمع رِفَاعَة، فَإِن سُؤَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن لمُعين. قلت: لما لم يكن سُؤَاله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمُعين لم تتَعَيَّن الْمُبَادرَة بِالْجَوَابِ، لَا من الْمُتَكَلّم وَلَا من غَيره، فكأنهم انتظروا من يُجيب مِنْهُم. فَإِن قلت:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute