للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَالْعَبْد مكبر فِي الابْن وَالْأَب مَعًا، وَهُوَ تَابِعِيّ ثِقَة سمي باسم أَبِيه وكني بكنيته. قَوْله: (أَنه أخبرهُ) صَرِيح فِي أَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم روى عَن عبد الله الْمَذْكُور، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مَالك عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عبد الله، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن نَافِع وَالْأَكْثَرُونَ عَن القعْنبِي، فَقَالُوا: عَن أَبِيه، وَعلم من رِوَايَة عبد الله بن مسلمة أَن عبد الرَّحْمَن سَمعه عَن أَبِيه عَن عبد الله، ثمَّ لَقِي عبد الله وسَمعه مِنْهُ بِلَا وَاسِطَة، أَو يكون عبد الرَّحْمَن سَمعه من عبد الله وَأَبوهُ مَعَه.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن هناد بن السّري. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَعَن الرّبيع بن سُلَيْمَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِنَّمَا سنة الصَّلَاة) تدل على أَن هَذَا الحَدِيث مُسْند، لِأَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ: سنة، فَإِنَّمَا يُرِيد سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِمَّا بقوله أَو بقوله أَو بِفعل شَاهده، كَذَا قَالَ ابْن التِّين. قَوْله: (وَأَنا يَوْمئِذٍ) ، الْوَاو فِيهِ ففحال. قَوْله: (أَن تنصب) أَي: لَا تلصقه بِالْأَرْضِ. قَوْله: (ويثني) أَي: يعْطف، لم يبين فِيهِ مَا يصنع بعد ثنيها: هَل يجلس فَوْقهَا أَو يتورك؟ وَوَقع فِي (الْمُوَطَّأ) : عَن يحيى بن سعيد أَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَرَاهُم الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد، فنصب رجله الْيُمْنَى وثنى الْيُسْرَى وَجلسَ على وركه الْيُسْرَى وَلم يجلس على قدمه، ثمَّ قَالَ: أَرَانِي هَذَا عبد الله بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وحَدثني أَن أَبَاهُ كَانَ يفعل ذَلِك، فَظهر من رِوَايَة الْقَاسِم الْإِجْمَال الَّذِي فِي رِوَايَة ابْنه، وروى النَّسَائِيّ من طَرِيق عَمْرو بن الْحَارِث عَن يحيى بن سعيد: أَن الْقَاسِم حَدثهُ عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ: من سنة الصَّلَاة أَن تنصب الْيُمْنَى وتجلس على الْيُسْرَى. قَوْله: (تفعل ذَلِك) أَي: التربع. قَوْله: (إِن رجْلي) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا ابْن التِّين: (إِن رجلاي) وَوجه هَذِه بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن تكون: إِن، بِمَعْنى: نعم إفعل ذَلِك، وَيكون حرف جَوَاب، وَقد ورد ذَلِك فِي كَلَام الْعَرَب نظما ونثرا، أما النّظم فَفِي قَوْله:

(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت: إِنَّه)

وَأما النثر، فقد قَالَ عبد الله بن الزبير لمن قَالَ: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك: إِن وراكبها، أَي: نعم وَلعن راكبها. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون على لُغَة بني الْحَارِث، فَإِنَّهُم لَا ينصبون بإن اسْمهَا، وَعَلِيهِ قِرَاءَة: {أَن هَذَانِ لساحران} (طه: ٦٣) . وَقَالَ الشَّاعِر:

(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا)

قَوْله: (لَا تحملاني) رُوِيَ بتَشْديد النُّون وبتخفيفها.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السّنة أَن ينصب الْمُصَلِّي رجله الْيُمْنَى ويثني الْيُسْرَى. وَقد اخْتلفُوا فِي صفة الْجُلُوس فِي الصَّلَاة، فَذهب يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم وَمَالك إِلَى: أَن الْمُصَلِّي ينصب رجله الْيُمْنَى ويثني رجله الْيُسْرَى، وَيقْعد بِالْأَرْضِ فِي الْقعدَة الأولى وَفِي الْأَخِيرَة، وَهَذَا هُوَ التورك الَّذِي ينْقل عَن مَالك. وَفِي (الْجَوَاهِر) : الْمُسْتَحبّ فِي الْجُلُوس كُله الأول والأخير وَبَين السَّجْدَتَيْنِ أَن يكون توركا. وَفِي (التَّمْهِيد) : الْمَرْأَة وَالرجل سَوَاء فِي ذَلِك عِنْد مَالك، وَذهب الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق إِلَى: أَن الْمُصَلِّي يفعل فِي الْقعُود الأول مثل مَا ذكرنَا الْآن، وَإِن كَانَ فِي الْقعُود الثَّانِي يقْعد على رجله الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ الشَّافِعِي: إِذا قعد فِي الرَّابِعَة أماط رجلَيْهِ جَمِيعًا فأخرجهما عَن وركه الْأَيْمن وأفضى بمقعدته إِلَى الأَرْض، واضجع الْيُسْرَى وَنصب الْيُمْنَى فِي الْقعدَة الأولى. وَقَالَ أَحْمد مثل قَول الشَّافِعِي، إلاّ فِي الْجُلُوس فِي الصُّبْح، فَإِن عِنْده كالجلوس فِي ثِنْتَيْنِ، وَهُوَ قَول دَاوُود. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِن فعل هَذَا فَحسن، وَإِن فعل هَذَا فَحسن، لِأَن ذَلِك كُله قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الجلسات عِنْد الشَّافِعِي أَربع: الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ، وجلسة الاسْتِرَاحَة عقيب كل رَكْعَة يعقبها قيام، والجلسة للتَّشَهُّد الأول، والجلسة للتَّشَهُّد الْأَخير، فالجميع يسن مفترشا إلاّ الْأَخِيرَة. فَلَو كَانَ مَسْبُوقا وَجلسَ إِمَامه فِي آخر الصَّلَاة متوركا جلس الْمَسْبُوق مفترشا فِي تشهده، فَإِذا سجد سَجْدَتي السَّهْو تورك ثمَّ سلم انْتهى.

وَعِنْدنَا: السّنة أَن يفترش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْيُمْنَى نصبا فِي القعدتين جَمِيعًا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث عَائِشَة فِي (صَحِيح مُسلم) قَالَت: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْتَتح الصَّلَاة. .) إِلَى أَن قَالَت: (وَكَانَ يفرش رجله الْيُسْرَى وَينصب رجله الْيُمْنَى. .) الحَدِيث. وَأما جُلُوس الْمَرْأَة فَهُوَ التورك عندنَا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وجلوس الْمَرْأَة كجلوس الرجل، وَحكى القَاضِي عِيَاض عَن بعض السّلف: أَن سنة الْمَرْأَة التربع، وَعَن بَعضهم: التربع فِي النَّافِلَة، وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفُوا فِي التربع فِي النَّافِلَة وَفِي الْفَرِيضَة للْمَرِيض، فَأَما الصَّحِيح فَلَا يجوز لَهُ التربع فِي الْفَرِيضَة

<<  <  ج: ص:  >  >>