فِي حَدِيث عبد الله بن عمر، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خصلتان لَا يحصيهما رجل مُسلم إلاّ دخل الْجنَّة) الحَدِيث. وَفِيه:(يسبح الله أحدكُم فِي دبر كل صَلَاة عشرا، ويحمد عشرا، وَيكبر عشرا) . الحَدِيث فَهِيَ خَمْسُونَ وَمِائَة بِاللِّسَانِ، وَألف وَخَمْسمِائة فِي الْمِيزَان، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص، أخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة، من رِوَايَة مُوسَى الْجُهَنِيّ: عَن مُصعب بن سعد عَن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يمْنَع أحدكُم أَن يسبح دبر كل صَلَاة عشرا، وَيكبر عشرا ويحمد عشرا؟) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه أَحْمد فِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه (عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما زوجه فَاطِمَة) الحَدِيث، وَفِيه:(تسبحان لله فِي دبر كل صَلَاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا) ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أم مَالك الْأَنْصَارِيَّة، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: عَن يحيى بن جعدة عَن رجل حَدثهُ، (عَن أم مَالك الْأَنْصَارِيَّة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَنِيئًا لَك يَا أم مَالك بركَة عجل الله ثَوَابهَا، ثمَّ علمهَا فِي دبر كل صَلَاة: سُبْحَانَ الله عشرا، وَالْحَمْد لله عشرا، وَالله أكبر عشرا) . وَكَونه سِتا، كَمَا فِي حَدِيث أنس فِي بعض طرقه، وَمرَّة وَاحِدَة، كَمَا فِي بعض طرق حَدِيثه، أَيْضا، وَكَونه سبعين مرّة كَمَا فِي حَدِيث زميل الْجُهَنِيّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة أبي مشجعَة بن ربعي الْجُهَنِيّ: (عَن زميل الْجُهَنِيّ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا صلى الصُّبْح قَالَ، وَهُوَ ثَان رجله: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، واستغفر الله، إِنَّه كَانَ تَوَّابًا، سبعين مرّة، ثمَّ يَقُول: سبعين بسبعمائة. .) الحَدِيث. وَكَونه مائَة مرّة كَمَا فِي بعض طرق حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة، من رِوَايَة يَعْقُوب بن عَطاء: عَن عَطاء ابْن أبي عَلْقَمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(من سبح فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة مائَة، وَكبر مائَة وَحمد مائَة غفرت لَهُ ذنُوبه، وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر) .
ثمَّ الْجَواب عَن وَجه الْحِكْمَة فِي تعْيين هَذِه الْأَعْدَاد أَنه: يجب علينا أَولا: أَن نتمثل فِي ذَلِك وَإِن خَفِي علينا وَجهه، لِأَن كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَخْلُو عَن حكم. وَثَانِيا: نقُول بِمَا أوقع الله تَعَالَى فِي قُلُوبنَا من أنواره الَّتِي يتجلى بهَا فِي الغوامض، وَهُوَ أَن الِاخْتِلَاف فِي هَذِه الْأَعْدَاد الظَّاهِر أَنه بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال والأزمان والأشخاص، فَيمكن أَن يُقَال: فِي الذّكر مرّة، إِنَّهَا أدنى مَا يُقَال، لِأَنَّهَا مَا تحتهَا شَيْء. وَفِي السِّت: إِن الْأَيَّام سِتَّة، فَمن ذكر سِتّ مَرَّات فَكَأَنَّهُ ذكر فِي كل يَوْم مِنْهَا مرّة، فتستغرق أَيَّامه ببركة الذّكر. وَفِي الْعشْر: كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا بِالنَّصِّ. وَفِي إِحْدَى عشرَة كَذَلِك، وَلَكِن زِيَادَة الْوَاحِدَة عَلَيْهَا للجزم بتحقق الْعشْرَة. وَفِي خمس وَعشْرين إِن سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة، فَمن ذكر خمْسا وَعشْرين فَكَأَنَّمَا ذكر فِي كل سَاعَة من سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار، وَالْوَاحد الزَّائِد للجزم بتحققها. وَفِي ثَلَاث وَثَلَاثِينَ إِنَّهَا إِذا ضوعفت ثَلَاث مَرَّات تكون تسعا وَتِسْعين، فَمن ذكر بِثَلَاث وَثَلَاثِينَ فَكَأَنَّمَا ذكر الله بأسمائه التِّسْعَة وَالتسْعين الَّتِي ورد بهَا الحَدِيث. وَفِي سبعين إِنَّه إِذا ذكر الله بِهَذَا الْعدَد يحصل لَهُ سَبْعمِائة ثَوَاب، لكل وَاحِد مِنْهَا عشرَة، وَقد صرح بذلك فِي حَدِيث زميل الْجُهَنِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَفِي مائَة: الْقَصْد فِيهَا الْمُبَالغَة فِي التكثير، لِأَنَّهَا الدرجَة الثَّالِثَة للأعداد.
فَإِن قلت: إِذا نقص من هَذِه الْأَعْدَاد الْمعينَة أَو زَاد، هَل يحصل لَهُ الْوَعْد الَّذِي وعد لَهُ فِيهِ؟ قلت: ذكر شَيخنَا زين الدّين فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) قَالَ: كَانَ بعض مَشَايِخنَا يَقُول: إِن هَذِه الْأَعْدَاد الْوَارِدَة عقيب الصَّلَوَات أَو غَيرهَا من الْأَذْكَار الْوَارِدَة فِي الصَّباح والمساء وَغير ذَلِك، إِذا كَانَ ورد لَهَا عدد مَخْصُوص مَعَ ثَوَاب مَخْصُوص، فَزَاد الْآتِي بهَا فِي أعدادها عمدا لَا يحصل لَهُ ذَلِك الثَّوَاب الْوَارِد على الْإِتْيَان بِالْعدَدِ النَّاقِص، فَلَعَلَّ لتِلْك الْأَعْدَاد حِكْمَة، وخاصة تفوت بمجاوزة تِلْكَ الْأَعْدَاد وتعديها، وَلذَلِك نهى عَن الاعتداء فِي الدُّعَاء. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ: فِيمَا قَالَه نظر، لِأَنَّهُ قد أَتَى بالمقدار الَّذِي رتب على الْإِتْيَان بِهِ ذَلِك الثَّوَاب، فَلَا تكون الزِّيَادَة مزيلة لذَلِك الثَّوَاب بعد حُصُوله عِنْد الْإِتْيَان بذلك الْعدَد. انْتهى. قلت: الصَّوَاب هُوَ الَّذِي قَالَه الشَّيْخ، لِأَن هَذَا لَيْسَ من الْحُدُود الَّتِي نهى عَن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قَالَ حِين يصبح وَحين يُمْسِي: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة، لم يَأْتِ أحد يَوْم الْقِيَامَة بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ، إلاّ أحد قَالَ مثل مَا قَالَ أَو زَاد عَلَيْهِ. فَإِن قلت: الشَّرْط فِي هَذَا أَن يَقُول: الذّكر الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِالْعدَدِ مُتَتَابِعًا أم لَا؟ وَالشّرط أَن يكون فِي مجْلِس وَاحِد أم لَا؟ قلت: كل مِنْهُمَا لَيْسَ بِشَرْط، وَلَكِن الْأَفْضَل أَن يَأْتِي بِهِ مُتَتَابِعًا، وَأَن يُرَاعِي الْوَقْت الَّذِي عين فِيهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: من ذَلِك يتَعَلَّق بِهَذَا الحَدِيث الْمَسْأَلَة المشهودة فِي التَّفْضِيل بَين الْغَنِيّ الشاكر وَالْفَقِير الصابر، فَذهب الْجُمْهُور من الصُّوفِيَّة إِلَى تَرْجِيح الْفَقِير الصابر، لِأَن مدَار الطَّرِيق على تَهْذِيب النَّفس ورياضتها، وَذَلِكَ مَعَ الْفقر أَكثر