للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَا أرَاهُ، بِضَم الْهمزَة أَي: مَا أَظُنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي أَي يقْصد نيه، أَي: ني الثوم. وَقَالَ بَعضهم: وأظن السَّائِل ابْن جريج والمسؤول عَطاء. قلت: الَّذِي قُلْنَا هُوَ الْأَقْرَب وَالْأَوْجه على مَا لَا يخفى، وَبِه جزم الْكرْمَانِي.

قَوْله: (قَالَ مخلد) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن يزِيد من الزِّيَادَة أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة. قَوْله: (عَن ابْن جريج) يَعْنِي: يروي عَن عبد الْملك بن جريج: (إِلَّا نَتنه) بِفَتْح النونين بَينهمَا تَاء مثناة من فَوق سَاكِنة، يَعْنِي: قَالَ بدل: نيه نَتنه. وَهُوَ الرَّائِحَة الكريهة، وَهَذَا التَّعْلِيق يُخَالف مَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن ابْن جريج، فَإِن أَبَا عوَانَة رَوَاهُ فِي (صَحِيحه) من طَرِيق روح ابْن عبَادَة: عَن ابْن جريج كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج نَحوه، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق ابْن أبي عدي عَن ابْن جريج، فَلفظ الْكل: النيء، لَا النتن.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: كَرَاهَة أكل الثوم النىء، وَلَا يحرم، أما الْكَرَاهَة فلرائحته الكريهة، وَلِهَذَا قَالَ: (من أكل من هَذِه الشَّجَرَة فَلَا يغشانا فِي مَسْجِدنَا) ، وَأما عدم الْحُرْمَة فَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث جَابر الَّذِي يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب: (كل فَإِنِّي أُنَاجِي من لَا تناجي) . وَقَالَ ابْن بطال. قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أكل) يدل على إِبَاحَة أكل الثوم، لِأَنَّهُ لفظ يدل على الْإِبَاحَة، وَتعقب بِأَن هَذِه الصِّيغَة إِنَّمَا تُعْطِي الْوُجُود لَا الحكم، لِأَن مَعْنَاهُ من وجد مِنْهُ الْأكل، وَهُوَ أَعم من كَونه مُبَاحا أَو غير مُبَاح. قلت: فَلَا حَاجَة إِلَى الِاسْتِدْلَال على الْإِبَاحَة بِهَذِهِ الطَّرِيقَة، فَإِن حَدِيث جَابر يدل على إِبَاحَته صَرِيحًا، وَكَذَلِكَ حَدِيث أبي أَيُّوب. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان حَدثنَا أَبُو دَاوُد أَنبأَنَا شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب سمع جَابر بن سَمُرَة يَقُول: (نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي أَيُّوب، وَكَانَ إِذا أكل طَعَاما بعث إِلَيْهِ بفضله، فَبعث إِلَيْهِ يَوْمًا بِطَعَام وَلم يَأْكُل مِنْهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا أَتَى أَبُو أَيُّوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِيهِ الثوم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله أحرام هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أكرهه من أجل رِيحه) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا: حَدثنَا مُحَمَّد بن حميد حَدثنَا زيد بن الْخَبَّاب عَن أبي خلدَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: الثوم من طَيّبَات الرزق، وَأَبُو خلدَة اسْمه: خَالِد بن دِينَار، وَهُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث، وَقد أدْرك أنس بن مَالك وَسمع مِنْهُ، وَأَبُو الْعَالِيَة اسْمه: رفيع وَهُوَ الرباحي، وَهُوَ الَّذِي ذكرنَا أكله فِي الثوم النىء لأجل رَائِحَته، وَأما الثوم الْمَطْبُوخ مِنْهُ فَلَا يكره، لما روى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا الْجراح أَبُو وَكِيع عَن أبي إِسْحَاق عَن شريك عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (نهى عَن أكل الثوم إلاّ مطبوخا) . وروى أَيْضا عَن حَدِيث مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن هَاتين الشجرتين، وَقَالَ: من أكلهما فَلَا يقربن مَسْجِدنَا،، وَقَالَ: إِن كُنْتُم لَا بُد آكليهما فأميتوهما طبخا) . ثمَّ إِن حَدِيث الْبَاب فِي الثوم فَقَط، وَسَيَجِيءُ حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي هَذَا الْبَاب: أَن البصل مثل الثوم، وَأَن الخضرات من الْبُقُول الَّتِي لَهَا رَائِحَة كَذَلِك، وَيدخل فِيهِ الكراث والفجل أَيْضا، وَنَصّ على الفجل فِي (المعجم الصَّغِير) للطبراني، وَذكره مَعَ الثوم والكراث، وَنقل ابْن التِّين عَن مَالك قَالَ: الفجل، إِن كَانَ يظْهر رِيحه فَهُوَ كالثوم، وَقَيده عِيَاض بالجشاء. وَفِي (التَّوْضِيح) : وشذ أهل الظَّاهِر فحرموا هَذِه الْأَشْيَاء لإفضائها إِلَى ترك الْجَمَاعَة، وَهِي عِنْدهم فرض عين، وَتَقْرِيره أَن يُقَال: صَلَاة الْجَمَاعَة فرض عين، وَلَا يتم إلاّ بترك أكلهَا. وَمَا لَا يتم الْوَاجِب إلاّ بِهِ فَهُوَ وَاجِب، فَترك أكلهَا وَاجِب، فَتكون حَرَامًا. قلت: صرح ابْن حزم مِنْهُم بِأَن أكلهَا حَلَال مَعَ قَوْله بِأَن الْجَمَاعَة فرض عين. وَفِيه: ترك الْإِتْيَان إِلَى الْمَسْجِد عِنْد أكل الثوم وَنَحْوه، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل المجامع: كمصلى الْعِيد والجنازة وَمَكَان الْوَلِيمَة، وَحكم رحبة الْمَسْجِد حكمه، لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَخص القَاضِي عِيَاض الْكَرَاهَة بِمَا إِذا كَانَ مَعَهم غَيرهم، أما إِذا كَانَ كلهم أكلوه فَلَا، وَلَكِن يَنْبَغِي احترام الْمَلَائِكَة، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ الْحفظَة. قلت: الْعلَّة أَذَى الْمَلَائِكَة وأذى الْمُسلمين، فَيخْتَص النَّهْي بالمساجد وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَلَا يخْتَص بمسجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل الْمَسَاجِد كلهَا سَوَاء عملا بِرِوَايَة: مَسَاجِدنَا، بِالْجمعِ وشذ من خصّه بمسجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَيلْحق بِمَا نَص عَلَيْهِ فِي الحَدِيث كل مَا لَهُ رَائِحَة كريهة من المأكولات وَغَيرهَا، وَإِنَّمَا خص الثوم هُنَا بِالذكر، وَفِي غَيره أَيْضا بالبصل والكراث لِكَثْرَة أكلهم بهَا، وَكَذَلِكَ ألحق بذلك بَعضهم من بِفِيهِ بخر، أَو بِهِ جرح لَهُ رَائِحَة، وَكَذَلِكَ القصاب والسماك والمجذوم والأبرص أولى بالإلحاق، وَصرح بالمجذوم ابْن بطال، وَنقل عَن سَحْنُون، لَا أرى الْجُمُعَة عَلَيْهِ، وَاحْتج بِالْحَدِيثِ. وَألْحق بِالْحَدِيثِ: كل من آذَى النَّاس بِلِسَانِهِ فِي الْمَسْجِد، وَبِه أفتى ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ أصل فِي نفي كل مَا يتَأَذَّى بِهِ وَلَا يبعد أَن يعْذر من كَانَ مَعْذُورًا بِأَكْل مَا لَهُ ريح كريهة، لما روى

<<  <  ج: ص:  >  >>