للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذَلِك نقص ثَوَابه. فَإِن قلت: كَيفَ يعلمُونَ مَا كَانَ فِي قُلُوبهم فِي الدُّنْيَا من الْإِيمَان ومقداره؟ قلت: لَعَلَّه بعلامات كَمَا يعلمُونَ أَنهم من أهل التَّوْحِيد. قَوْله: (كَمَا تنْبت الْحبَّة) الخ فِيهِ تَشْبِيه مُتَعَدد، وَهُوَ التَّشْبِيه من حَيْثُ الْإِسْرَاع، وَمن حَيْثُ ضعف النَّبَات، وَمن حَيْثُ الطراوة وَالْحسن، والمنى: من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من الْإِيمَان يخرج من ذَلِك المَاء نضراً حسنا منبسطاً متبختراً كخروج هَذِه الريحانة من جَانب السَّيْل صفراء متميلة، وَهَذَا يُؤَيّد كَون اللَّام فِي الْحبَّة للْجِنْس، لِأَن بقلة الحمقاء لَيست صفراء؛ إلَاّ أَن يقْصد بِهِ مُجَرّد الْحسن والطراوة، وَقد ذكرنَا وَجه كَونهَا للْعهد.

(بَيَان استنباط الْفَوَائِد) الأولى: فِيهِ حجَّة لأهل السّنة على المرجئة حَيْثُ علم مِنْهُ دُخُول طَائِفَة من عصارة الْمُؤمنِينَ النَّار، إِذْ مَذْهَبهم أَنه لَا يضر مَعَ الْإِيمَان مَعْصِيّة، فَلَا يدْخل العَاصِي النَّار. الثَّانِيَة: فِيهِ حجَّة على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ دلّ على عدم وجوب تخليد العَاصِي فِي النَّار. الثَّالِثَة: فِيهِ دَلِيل على تفاضل أهل الْإِيمَان فِي الْأَعْمَال. الرَّابِعَة: مَا قيل: إِن الْأَعْمَال من الْإِيمَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خَرْدَل من إِيمَان) ، وَالْمرَاد مَا زَاد على أصل التَّوْحِيد. قلت: لَا دلَالَة فِيهِ على ذَلِك أصلا على مَا لَا يخفى.

قَالَ وُهَيْبٌ حَدثنَا عَمْرٌ والحَيَاةِ وَقَالَ خَرْدَلٍ مِنْ خيْرٍ.

الْكَلَام فِيهِ من وُجُوه. الأول: أَن هَذَا من بَاب تعليقات البُخَارِيّ، وَلكنه أخرجه مُسْندًا فِي كتاب الرقَاق عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد بِهِ، وسياقه اتم من سِيَاق مَالك، لكنه قَالَ: (من خَرْدَل من إِيمَان) كَرِوَايَة مَالك، وَقد اعْترض على البُخَارِيّ بِهَذَا، وَلَا يرد عَلَيْهِ لِأَن أَبَا بكر بن أبي شيبَة أخرج هَذَا الحَدِيث فِي مُسْنده عَن عَفَّان بن مُسلم عَن وهيب فَقَالَ: (من خَرْدَل من خير) ، كَمَا علقه البُخَارِيّ، وَقد أخرج مُسلم عَن أبي بكر هَذَا لَكِن لم يسق لَفظه. الثَّانِي: فِي إِيرَاد البُخَارِيّ هَذِه الزِّيَادَة من حَدِيث وهيب هُنَا فَوَائِد. مِنْهَا: قَول وهيب: حَدثنَا عَمْرو آتِيَا بِلَفْظ التحديث، بِخِلَاف مَالك فَإِنَّهُ أَتَى بِلَفْظَة: عَن، وفيهَا خلاف مَعْرُوف، هَل يدل على الِاتِّصَال وَالسَّمَاع أم لَا؟ فأزال البُخَارِيّ بِهَذِهِ الزِّيَادَة توهم الْخلاف، مَعَ أَن مَالِكًا غير مُدَلّس، وَالْمَشْهُور عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ أَن لَفْظَة: عَن، مَحْمُولَة على الِاتِّصَال إِذا لم يكن المعنعن مدلساً. وَمِنْهَا: إِزَالَة الشَّك الَّذِي جَاءَ فِي حَدِيث مَالك عَن عَمْرو فِي قَوْله: (الْحيَاء أَو الْحَيَاة) فَأتى بِهِ وهيب مُجَردا من غير شكّ. فَقَالَ: نهر الْحَيَاة. وَمِنْهَا: قَوْله: من خير، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ. الثَّالِث: قَوْله: (الْحَيَاة) بِالْجَرِّ، على الْحِكَايَة، وَالْمعْنَى أَن وهيباً وَافق مَالِكًا فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن يحيى بِسَنَدِهِ، وَجزم بقوله: فِي نهر الْحَيَاة وَلم يشك كَمَا شكّ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (وَقَالَ خَرْدَل من خير) بجر خَرْدَل أَيْضا على الْحِكَايَة، أَي: قَالَ وهيب فِي رِوَايَته: مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من خير، فَخَالف مَالِكًا أَيْضا فِي هَذِه اللَّفْظَة كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وهيب) ، بِضَم الْوَاو وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، ابْن خَالِد بن عجلَان الْبَاهِلِيّ، مَوْلَاهُم، الْبَصْرِيّ، روى عَن: هِشَام بن عُرْوَة وَأَيوب وَسُهيْل وَعَمْرو بن يحيى وَغَيرهم، روى عَنهُ: الْقطَّان وَابْن مهْدي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَخلق كثير، اتّفق على توثيقه، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث حجَّة، وَكَانَ يملي من حفظه، مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَقد سجن فَذهب بَصَره. قَوْله: (حَدثنَا عَمْرو) بِفَتْح الْعين، هُوَ عَمْرو بن يحيى الْمَازِني، وَقد مر ذكره عَن قريب.

٢٣ - حدّثنا مُحمدُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ عَن أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقولُ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَا أَنا نائِمٌ رَأْيْتُ الناسَ يُعْرَضُونَ عليَّ وَعَليهمْ قُمُصٌ مِنها مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ ومِنها مَا دُونَ ذلِكِ وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَميصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوّلْتَ ذلكَ يَا رسولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ..

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من جِهَة تَأْوِيل الْقَمِيص بِالدّينِ، وَذكر فِيهِ أَنهم متفاضلون فِي لبسهَا فَدلَّ على أَنهم متفاضلون فِي الْإِيمَان. وَقَالَ النَّوَوِيّ: دلّ الحَدِيث على أَن الْأَعْمَال من الْإِيمَان، وَأَن الْإِيمَان وَالدّين بِمَعْنى وَاحِد، وَأَن أهل الْإِيمَان

<<  <  ج: ص:  >  >>