الْحِكْمَة فِي الاستياك: قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: الْحِكْمَة فِي اسْتِحْبَاب الاستياك عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة كَونهَا حَال تقرب إِلَى الله تَعَالَى، فَاقْتضى أَن تكون حَال كَمَال ونظافة إِظْهَارًا لشرف الْعِبَادَة. وَقد ورد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد الْبَزَّار مَا يدل على أَنه لأمر يتَعَلَّق بِالْملكِ الَّذِي يستمع الْقُرْآن من الْمُصَلِّي فَلَا يزَال يدنو مِنْهُ حَتَّى يضع فَاه على فِيهِ، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث جَابر برواة ثقاة: (إِذا قَامَ أحدكُم من اللَّيْل يُصَلِّي فليستك، فَإِنَّهُ إِذا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ ملك فَيَضَع فَاه على فِيهِ فَلَا يخرج شَيْء من فِيهِ إلاّ وَقع فِي الْملك) . وروى الْقشيرِي بِلَا إِسْنَاد عَن أبي الدَّرْدَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَإِن فِي السِّوَاك أَرْبعا وَعشْرين خصْلَة أفضلهَا أَن يرضى الرَّحْمَن، وتضاعف صلَاته سبعا وَسبعين ضعفا، وَيُورث السعَة والغنى ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسكن الصداع وَيذْهب وجع الضرس وتصافحه الْمَلَائِكَة لنُور وَجهه وبرق أَسْنَانه) ،
الْوَجْه الثَّامِن: فِي فَضِيلَة السِّوَاك. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَفظه: (عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مطهرة للفم مرضاة للرب) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) وَأَبُو نعيم من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فضل الصَّلَاة الَّتِي يستاك لَهَا على الصَّلَاة الَّتِي لَا يستاك لَهَا سَبْعُونَ ضعفا) . وَقَالَ أَبُو عمر: فضل السِّوَاك مجمع عَلَيْهِ لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَالصَّلَاة عِنْد الْجَمِيع بِهِ أفضل مِنْهَا بِغَيْرِهِ، حَتَّى قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هُوَ شطر الْوضُوء، ويتأكد طلبه عِنْد إِرَادَة الصَّلَاة وَعند الْوضُوء وَقِرَاءَة الْقُرْآن والاستيقاظ من النّوم وَعند تغير الْفَم، وَيسْتَحب بَين كل رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة اللَّيْل وَيَوْم الْجُمُعَة وَقبل النّوم وَبعد الْوتر وَعند الْأكل فِي السحر.
الْوَجْه التَّاسِع: فِي حَدِيث الْبَاب بَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ من الشَّفَقَة على أمته لِأَنَّهُ لم يَأْمر بِالسِّوَاكِ على سَبِيل الْوُجُوب مَخَافَة الْمَشَقَّة عَلَيْهِم.
الْوَجْه الْعَاشِر فِيهِ: جَوَاز الِاجْتِهَاد مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا لم ينزل عَلَيْهِ فِيهِ نَص، لكَونه جعل الْمَشَقَّة سَببا لعدم أمره، فَلَو كَانَ الحكم متوقفا على النَّص لَكَانَ سَبَب انْتِفَاء الْوُجُوب عدم وُرُود النَّص لَا وجود الْمَشَقَّة، فَيكون معنى قَوْله: (لأمرتهم) أَي: عَن الله بِأَنَّهُ وَاجِب. قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد، وَالظَّاهِر أَنه ترك الْأَمر بِهِ لخوف الْمَشَقَّة، وَالْأَمر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر من الله فِي الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى.
الثَّانِي عشر: اسْتدلَّ بِهِ النَّسَائِيّ على اسْتِحْبَاب السِّوَاك للصَّائِم بعد الزَّوَال لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عِنْد كل صَلَاة) .
الثَّانِي عشر: اسْتدلَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة على اسْتِحْبَاب السِّوَاك للفرائض والنوافل وَصَلَاة الْعِيد وَالِاسْتِسْقَاء والكسوف والخسوف لاقْتِضَاء الْعُمُوم ذَلِك.
الثَّالِث عشر: قَالَ الْمُهلب فِيهِ: إِن السّنَن والفضائل ترْتَفع عَن النَّاس إِذا خشِي مِنْهَا الْحَرج على النَّاس، وَإِنَّمَا أكد فِي السِّوَاك لمناجاة الرب وتلقي الْمَلَائِكَة، فَلَزِمَ تَطْهِير النكهة وتطييب الْفَم.
الرَّابِع عشر فِيهِ: إِبَاحَة السِّوَاك فِي الْمَسْجِد لِأَن: عِنْد، تَقْتَضِي الظَّرْفِيَّة حَقِيقَة فتقتضي اسْتِحْبَابه فِي كل صَلَاة، وَعند بعض الْمَالِكِيَّة كَرَاهَته فِي الْمَسْجِد لاستقذاره، وَالْمَسْجِد ينزه عَنهُ.
٨٨٨ - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قالَ حدَّثنا شُعَيْبُ بنُ الحَبْحَابِ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْإِكْثَار فِي السِّوَاك الَّذِي هُوَ الْمُبَالغَة فِي الْحَث عَلَيْهِ يتَنَاوَل فعلهَا عِنْد سَائِر الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة، وَالْجُمُعَة أقواها لِأَنَّهَا يَوْم ازدحام، فَكَمَا أَن الِاغْتِسَال مُسْتَحبّ فِيهِ لتنظيف الْبدن وَإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة رفعا لأذاها عَن النَّاس، فَكَذَلِك تَطْهِير النكهة، بل هُوَ أقوى على مَا لَا يخفى، وَلَقَد أبعد ابْن رشيد فِي تَوْجِيه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث وَبَين التَّرْجَمَة، وَاسْتَحْسنهُ بَعضهم حَتَّى نَقله فِي كِتَابه، فَمن نظر فِيهِ عرف وَجه الاستبعاد فِيهِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج، واسْمه ميسرَة التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد وَهُوَ رِوَايَة. الثَّالِث: شُعَيْب بن الحبحاب، بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ بَينهمَا بَاء مُوَحدَة سَاكِنة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى: أَبُو صَالح الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي كل الْإِسْنَاد. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم