للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لجمعة جمعت بجواثى) ، قَرْيَة من قرى الْبَحْرين. قَالَ عُثْمَان: قَرْيَة من قرى عبد الْقَيْس.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جمعت) ، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم، وَيُقَال: جمع الْقَوْم تجميعا أَي: شهدُوا الْجُمُعَة وقضوا الصَّلَاة فِيهَا. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (جمعت فِي الْإِسْلَام) ، كَمَا ذكرنَا الْآن. قَوْله: (بعد جُمُعَة) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي: (بعد جُمُعَة جمعت) . قَوْله: (فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة وَكِيع: بِالْمَدِينَةِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمعَافي: بِمَكَّة، وَهُوَ خطأ بِلَا نزاع. قَوْله: (فِي مَسْجِد عبد الْقَيْس) ، هُوَ علم لقبيلة كَانُوا ينزلون بِالْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ مَوضِع قريب من بَحر عمان بِقرب القطيف والأحساء. قَوْله: (بجواثى) ، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو وبالثاء الْمُثَلَّثَة وبالقصر، وَمِنْهُم من يهمزها، وَهِي قَرْيَة من قرى الْبَحْرين، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة وَكِيع كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي دَاوُد، وَفِي رِوَايَة عُثْمَان شيخ أبي دَاوُد: قَرْيَة من قرى عبد الْقَيْس، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة عَن ابْن طهْمَان، وَحكى ابْن التِّين عَن الشَّيْخ أبي الْحسن: أَنَّهَا مَدِينَة. وَفِي (الصِّحَاح) للجوهري و (الْبلدَانِ) للزمخشري: جواثى: حصن بِالْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: وَهِي مَدِينَة بِالْبَحْرَيْنِ لعبد الْقَيْس، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:

(ورحنا كأنا من جواثى عَشِيَّة ... نعالى النعاج بَين عدل ومحقب)

يُرِيد كأنا من تجار جواثى، لِكَثْرَة مَا مَعَهم من الصَّيْد، وَأَرَادَ كَثْرَة أَمْتعَة تجار جواثى. قلت: كَثْرَة الْأَمْتِعَة تدل غَالِبا على كَثْرَة التُّجَّار، وَكَثْرَة التُّجَّار تدل على أَن جواثى مَدِينَة قطعا، لِأَن الْقرْيَة لَا يكون فِيهَا تجار كَثِيرُونَ غَالِبا عَادَة. فَإِن قلت: قد يُطلق على الْمَدِينَة اسْم قَرْيَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى , {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} (الزخرف: ٣١) . يَعْنِي: مَكَّة والطائف، قلت: إِطْلَاق لفظ: الْقرْيَة، على الْمَدِينَة بِاعْتِبَار الْمَعْنى اللّغَوِيّ، وَلَا يخرج ذَلِك عَن كَونه مَدِينَة فَلَا يتم اسْتِدْلَال من يُجِيز الْجُمُعَة فِي الْقرى بِهَذَا الْوَجْه، كَمَا سَنذكرُهُ مُسْتَوفى عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: استدلت الشَّافِعِيَّة بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْجُمُعَة تُقَام فِي الْقرْيَة إِذا كَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ رجلا أحرارا مقيمين، حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَاب الْعدَد الَّذين إِذا حَضَرُوا فِي قَرْيَة وَجَبت عَلَيْهِم، ثمَّ ذكر فِيهِ إِقَامَة الْجُمُعَة بجواثى. قُلْنَا: لَا نسلم أَنَّهَا قَرْيَة، بل هِيَ مَدِينَة كَمَا حكينا عَن الْبكْرِيّ وَغَيره، حَتَّى قيل: كَانَ يسكن فِيهَا فَوق أَرْبَعَة آلَاف نفس، والقرية لَا تكون كَذَلِك، وَإِطْلَاق الْقرْيَة عَلَيْهَا من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ. وَلَئِن سلمنَا أَنَّهَا قَرْيَة فَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطلع على ذَلِك وأقرهم عَلَيْهِ، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْموضع الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة، فَقَالَ مَالك: كل قَرْيَة فِيهَا مَسْجِد أَو سوق فالجمعة وَاجِبَة على أَهلهَا، وَلَا يجب على أهل العمود وَإِن كَثُرُوا لأَنهم فِي حكم الْمُسَافِرين. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: كل قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعُونَ رجلا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين بهَا لَا يظعنون عَنْهَا صيفا وَلَا شتاءً إلاّ ظعن حَاجَة، فالجمعة وَاجِبَة عَلَيْهِم، وَسَوَاء كَانَ الْبناء من حجر أَو خشب أَو طين أَو قصب أَو غَيرهَا، بِشَرْط أَن تكون الْأَبْنِيَة مجتمعة، فَإِن كَانَت مُتَفَرِّقَة لم تصح، وَأما أهل الْخيام فَإِن كَانُوا ينتقلون من موضعهم شتاءً أَو صيفا لم تصح الْجُمُعَة بِلَا خلاف، وَإِن كَانُوا دائمين فِيهَا شتاءً وصيفا وَهِي مجتمعة بَعْضهَا إِلَى بعض فَفِيهِ قَولَانِ: أصَحهمَا: لَا تجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة وَلَا تصح مِنْهُم، وَبِه قَالَ مَالك. وَالثَّانِي: تجب عَلَيْهِم وَتَصِح مِنْهُم، وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد: وَمذهب أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تصح الْجُمُعَة إلاّ فِي مصر جَامع أَو فِي مصلى الْمصر، وَلَا تجوز فِي الْقرى، وَتجوز فِي منى إِذا كَانَ الْأَمِير أَمِير الْحَاج، أَو كَانَ الْخَلِيفَة مُسَافِرًا. وَقَالَ مُحَمَّد: لَا جُمُعَة بمنى وَلَا تصح بِعَرَفَات فِي قَوْلهم جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي كِتَابه (الْأَحْكَام) : اتّفق فُقَهَاء الْأَمْصَار على أَن الْجُمُعَة مَخْصُوصَة بِموضع لَا يجوز فعلهَا فِي غَيره لأَنهم مجتمعون على أَنَّهَا لَا تجوز فِي الْبَوَادِي، ومناهل الْأَعْرَاب، وَذكر ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يرى على أهل المناهل والمياه أَنهم يجمعُونَ.

ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْمصر الَّذِي تجوز فِيهِ الْجُمُعَة، فَعَن أبي يُوسُف: هُوَ كل مَوضِع يكون فِيهِ كل محترف، وَيُوجد فِيهِ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ النَّاس من مَعَايشهمْ عَادَة، وَبِه قَاض يُقيم الْحُدُود. وَقيل: إِذا بلغ سكانه عشرَة آلَاف، وَقيل: عشرَة آلَاف مقَاتل، وَقيل: بِحَيْثُ أَن لَو قصدهم عَدو لأمكنهم دَفعه، وَقيل: كل مَوضِع فِيهِ أَمِير وقاض يُقيم الْحُدُود، وَقيل: أَن لَو اجْتَمعُوا إِلَى أكبر مَسَاجِدهمْ لم يسعهم، وَقيل: أَن يكون بِحَال يعِيش كل محترف بحرفته من سنة إِلَى سنة من غير أَن يشْتَغل بحرفة أُخْرَى، وَعَن مُحَمَّد: مَوضِع مصرة الإِمَام فَهُوَ مصر حَتَّى إِنَّه لَو بعث إِلَى قَرْيَة نَائِبا لإِقَامَة الْحُدُود وَالْقصاص تصير مصرا، فَإِذا عز لَهُ وَدعَاهُ يلْحق بالقرى،

<<  <  ج: ص:  >  >>