ويروى (يتناوبون) من النّوبَة أَيْضا. قَوْله:(والعوالي) جمع الْعَالِيَة، وَهِي مَوَاضِع وقرى بِقرب مَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِهَة الْمشرق من ميلين إِلَى ثَمَانِيَة أَمْيَال. وَقيل: أدناها من أَرْبَعَة أَمْيَال. قَوْله:(فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَار يصيبهم الْغُبَار) كَذَا وَقع لأكْثر الروَاة، وَعند الْقَابِسِيّ:(فَيَأْتُونَ فِي العباء) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالمد جمع: عباءة، وعباية، لُغَتَانِ مشهورتان، وَكَذَا شَرحه النَّوَوِيّ فِي (شَرحه) لِأَنَّهُ عِنْد مُسلم كَذَا هُوَ، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيرهمَا، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله:(إِنْسَان مِنْهُم) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:(أنَاس مِنْهُم) . قَوْله:(لَو أَنكُمْ تطهرتم) ، كلمة: لَو، تَقْتَضِي دُخُولهَا على الْفِعْل، تَقْدِيره: لَو ثَبت تطهركم، ثمَّ إِن: لَو، هَذِه يجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي، فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَيجوز أَن تكون على أَصْلهَا وَالْجَزَاء مَحْذُوف تَقْدِيره: لَكَانَ حسنا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب أَعنِي: فِي وجوب الْجُمُعَة على من كَانَ خَارج الْمصر فَقَالَت طَائِفَة: تحب على من آواه اللَّيْل إِلَى أَهله، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس وَابْن عمر وَمُعَاوِيَة، وَهُوَ قَول نَافِع وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَالْحكم وَالنَّخَعِيّ وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَعَطَاء وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر، حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَنْهُم لحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:(الْجُمُعَة على من آواه اللَّيْل إِلَى أَهله) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وضعفاه، وَنقل عَن أَحْمد أَنه لم يره شَيْئا، وَقَالَ لمن ذكره لَهُ: اسْتغْفر رَبك اسْتغْفر رَبك، وَمعنى هَذَا الحَدِيث: أَنه إِذا جمع مَعَ الإِمَام أمكنه الْعود إِلَى أَهله آخر النَّهَار قبل دُخُول اللَّيْل. وَقَالَت طَائِفَة: إِنَّهَا تجب على من سمع النداء، رُوِيَ ذَلِك عَن عبد الله بن عمر أَيْضا وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، وَحَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ عَن مَالك أَيْضا وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أخرجه أَبُو دَاوُد من رِوَايَة سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن سعيد عَن أبي سَلمَة بن نبيه عَن عبد الله بن هَارُون عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ: (الْجُمُعَة على من سمع النداء) . قَالَ أَبُو دَاوُد: روى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن سُفْيَان مَقْصُورا على عبد الله بن عَمْرو، وَلم يرفعوه. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة الْوَلِيد عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِنَّمَا الْجُمُعَة على من سمع النداء) ، والوليد هُوَ ابْن مُسلم، وَزُهَيْر ابْن مُحَمَّد، كِلَاهُمَا من رجال (الصَّحِيح) . لَكِن زهيرا روى عَنهُ أهل الشَّام مَنَاكِير، مِنْهُم: الْوَلِيد والوليد مُدَلّس، وَقد رَوَاهُ بالعنعنة فَلَا تصح، وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن الْفضل بن عَطِيَّة عَن حجاج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:(وَالْجُمُعَة على من يهدىء الصَّوْت) . قَالَ دَاوُد بن رشيد: يَعْنِي حَيْثُ يسمع الصَّوْت، وَمُحَمّد بن الْفضل بن عَطِيَّة ضَعِيف جدا، وَالْحجاج هُوَ: ابْن أَرْطَأَة، وَهُوَ مُدَلّس مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الْوُجُوب على من سمع النداء عِنْد الشَّافِعِي، قَالَ: وتعليقه السَّعْي على سَماع النداء يسْقطهُ عَمَّن كَانَ فِي الْمصر الْكَبِير إِذا لم يسمعهُ، وَقَالَت طَائِفَة: يجب على أهل الْمصر، وَلَا يجب على من كَانَ خَارج الْمصر، سمع النداء أَو لم يسمعهُ. قَالَ شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : وَهُوَ قَول أبي حنيفَة بِنَاء على قَوْله: إِن الْجُمُعَة لَا تجب على أهل الْقرى والبوادي مَا لم يكن فِي الْمصر، وَرجحه القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ، وَقَالَ: إِن الظَّاهِر مَعَ أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة: أَن الْجُمُعَة لَا تصح إلاّ فِي مصر جَامع، أَو فِي مصلى الْمصر نَحْو مصلى الْعِيد. وَفِي (الْمُفِيد) و (الاسبيجابي) و (التُّحْفَة) : لَا تجب الْجُمُعَة عندنَا إلاّ فِي مصر جَامع، أَو فِيمَا هُوَ فِي حكمه، كمصلى الْعِيد. وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : وأرباض الْمصر كالمصر، وَفِي (الْيَنَابِيع) : لَو كَانَ منزله خَارج الْمصر لَا تجب عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا أصح مَا قيل فِيهِ، وَفِي (قاضيخان) : عَن أبي يُوسُف هُوَ رِوَايَة عَنهُ، وَعنهُ من ثَلَاثَة فراسخ، وَعنهُ إِذا شهد الْجُمُعَة فَإِن أمكنه الْمبيت بأَهْله لَزِمته الْجُمُعَة، وَاخْتَارَهُ كثير من مَشَايِخنَا. وَفِي (الذَّخِيرَة) : فِي ظَاهر رِوَايَة أَصْحَابنَا: لَا يجب شُهُود الْجُمُعَة إلاّ على من يسكن الْمصر والأرباض دون السوَاد، سَوَاء كَانَ قَرِيبا من مصر أَو بَعيدا عَنْهَا. وَعَن مُحَمَّد: إِذا كَانَ بَينه وَبَين الْمصر ميل أَو ميلان أَو ثَلَاثَة أَمْيَال فَعَلَيهِ الْجُمُعَة، وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث، وَفِي (منية الْمُفْتِي) على أهل السوَاد الْجُمُعَة إِذا كَانُوا على قدر فَرسَخ هُوَ الْمُخْتَار، وَعنهُ: إِذا كَانَ أقل من فرسخين تجب، وَفِي الْأَكْثَر. لَا، وَفِي رِوَايَة: كل مَوضِع لَو خرج الإِمَام إِلَيْهِ صلى الْجُمُعَة فَتجب، وَعَن معَاذ بن جبل: يجب الْحُضُور من خَمْسَة عشر فرسخا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: يجب عِنْد ابْن الْمُنْكَدر وَرَبِيعَة وَالزهْرِيّ فِي رِوَايَة: من أَرْبَعَة أَمْيَال، وَعَن الزُّهْرِيّ: من سِتَّة أَمْيَال، وَحَكَاهُ ابْن التِّين عَن النَّخعِيّ وَعَن مَالك وَاللَّيْث: ثَلَاثَة أَمْيَال. وَحكى أَبُو حَامِد عَن عَطاء: عشرَة أَمْيَال.