قلبت الْهمزَة واوا كَمَا أَن الوار تقلب همزَة فِي مَوَاضِع مِنْهَا: أواقي أَصله وواقي. قَوْله: (فصاففناهم) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: (فصاففنا لَهُم) ، ويروى: (فصففناهم) . قَوْله: (يُصَلِّي لنا) ، أَي: لأجلنا أَو يُصَلِّي بِنَا. قَوْله: (رَكْعَة وسجدتين) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ: مثل نصف صَلَاة الصُّبْح، وَهَذِه الزِّيَادَة تدل على أَن الصَّلَاة الْمَذْكُورَة كَانَت غير الصُّبْح: فَتكون ربَاعِية، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مَا يدل على أَنَّهَا كَانَت صَلَاة الْعَصْر، وَصرح فِي رِوَايَة مُسلم فِي حَدِيث جَابر بالعصر، وَفِي حَدِيث أبي بكرَة بِالظّهْرِ. قَوْله: (ثمَّ انصرفوا مَكَان الطَّائِفَة الَّتِي لم تصل) أَي: فَقَامُوا فِي مكانهم، وَصرح فِيهِ فِي رِوَايَة بَقِيَّة عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّسَائِيّ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: هَذَا الحَدِيث حجَّة لِأَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّة فِي صَلَاة الْخَوْف، وَحَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عمرَان بن ميسرَة حَدثنَا ابْن فُضَيْل حَدثنَا خصيف عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ (صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فَقَامُوا صفا خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف مُسْتَقْبل الْعَدو، فصلى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة ثمَّ جَاءَ الْآخرُونَ فَقَامُوا مقامهم فَاسْتقْبل هَؤُلَاءِ الْعَدو فصلى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة ثمَّ سلم فَقَامَ هَؤُلَاءِ فصلوا الأنفسهم رَكْعَة ثمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مقَام أُولَئِكَ مستقبلي الْعَدو، وَرجع أُولَئِكَ إِلَى مقامهم فصلوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثمَّ سلمُوا) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه، وخصيف لَيْسَ بِالْقَوِيّ. قلت: أَبُو عُبَيْدَة أخرج لَهُ البُخَارِيّ محتجا بِهِ فِي غير مَوضِع، وروى لَهُ مُسلم، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَوْم مَاتَ أَبوهُ ابْن سبع سِنِين مُمَيّزا، وَابْن سبع سِنِين يحْتَمل السماع وَالْحِفْظ، وَلِهَذَا يُؤمر الصَّبِي ابْن سبع سِنِين بِالصَّلَاةِ تخلقا وتأدبا، وخصيف، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالْعجلِي وَابْن معِين وَابْن سعد، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالح، وَجعل الْمَازرِيّ حَدِيث ابْن عمر قَول الشَّافِعِي وَأَشْهَب، وَحَدِيث جَابر قَول أبي حنيفَة، وَهُوَ سَهْو فيهمَا، بل أَخذ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأَشْهَب بِرِوَايَة ابْن عمر، وَالشَّافِعِيّ بِرِوَايَة سهل بن أبي حثْمَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَلَو فعل مثل رِوَايَة ابْن عمر فَفِي صِحَّته قَولَانِ، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور صِحَّته. قَالَ: وَقَول الْغَزالِيّ قَالَه بعض أَصْحَابنَا، بعيد وَغلط فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا: نسبته إِلَى بعض الْأَصْحَاب، بل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي (الْجَدِيد) وَفِي (الرسَالَة) وَفِي الثَّانِي: تَضْعِيفه انْتهى. قلت: هم يَقُولُونَ: قَالَ الشَّافِعِي: إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي، وَأي شَيْء يكون أصح من حَدِيث ابْن عمر وَقد خرجته الْجَمَاعَة؟ وَقَالَ الْقَدُورِيّ فِي (شرح مُخْتَصر الْكَرْخِي) وَأَبُو نصر الْبَغْدَادِيّ فِي (شرح مُخْتَصر الْقَدُورِيّ) : الْكل جَائِز، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الأولى.
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: صَلَاة الْخَوْف أَنْوَاع صلاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَيَّام مُخْتَلفَة وأشكال متباينة يتحَرَّى فِي كلهَا مَا هُوَ أحوط للصَّلَاة وأبلغ فِي الخراسة، فَهِيَ على اخْتِلَاف صورها متفقة الْمَعْنى. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) : رُوِيَ فِي صَلَاة الْخَوْف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُجُوه كَثِيرَة فَذكر مِنْهَا سِتَّة أوجه: الأول: مَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عمر، قَالَ بِهِ من الْأَئِمَّة الْأَوْزَاعِيّ وَأَشْهَب. قلت: قَالَ بِهِ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه على مَا ذكرنَا. الثَّانِي: حَدِيث صَالح بن خَوات عَن سهل بن أبي حثْمَة، قَالَ بِهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر. الثَّالِث: حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ بِهِ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إلاّ أَبَا يُوسُف. الرَّابِع: حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي، قَالَ بِهِ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري. الْخَامِس: حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ بِهِ الثَّوْريّ فِي (مجيزه) وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: حُذَيْفَة وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَجَابِر بن عبد الله. السَّادِس: حَدِيث أبي بكرَة أَنه صلى بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يُفْتِي بِهِ، وَقد حكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي: أَنه لَو صلى فِي الْخَوْف بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فصلى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم كَانَ جَائِزا. قَالَ: وَهَكَذَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل، قَالَ ابْن عبد الْبر: وَرُوِيَ أَن صلَاته هَكَذَا كَانَت يَوْم ذَات الرّقاع، وَذكر أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) لصَلَاة الْخَوْف ثَمَانِيَة صور، وَذكرهَا ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) تِسْعَة أَنْوَاع، وَذكر القَاضِي عِيَاض فِي (الْإِكْمَال) لصَلَاة الْخَوْف ثَلَاثَة عشر وَجها، وَذكر الثَّوْريّ أَنَّهَا تبلغ سِتَّة عشر وَجها، وَلم يبين شَيْئا من ذَلِك. وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ زين الدّين فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : قد جمعت طرق الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي صَلَاة الْخَوْف فبلغت سَبْعَة عشر وَجها، وبيّنها، لَكِن يُمكن التَّدَاخُل فِي بَعْضهَا. وَحكى ابْن الْقصار الْمَالِكِي: أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute