على الظَّرْفِيَّة وَهُوَ كلمة الإغراء بالشَّيْء والمغرى بِهِ مَحْذُوف أَي الزموا مَا أَنْتُم فِيهِ وَعَلَيْكُم بِهِ وَالْعرب تغري بعليك وعندك وأخواتهما وشأنها أَن يتَقَدَّم الِاسْم كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث وَقد جَاءَ تَأْخِيرهَا شاذا كَقَوْلِه
(يَا أَيهَا المانح دلوي دونكا ... إِنِّي رَأَيْت النَّاس يمدونكا)
قَوْله " يَا بني أرفدة " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْفَاء وَفتحهَا وَالْكَسْر أشهر وَهُوَ لقب للحبشة أَو اسْم أَبِيهِم الأقدم وَقيل جنس مِنْهُم يرقصون وَقيل الْمَعْنى يَا بني الآماء وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة " فزجرهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمنا بني أرفدة " وَبَين الزُّهْرِيّ أَيْضا عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة وَجه الزّجر حَيْثُ قَالَ " فَأَهوى إِلَى الْحَصْبَاء فحصبهم بهَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دعهم يَا عمر " وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَاد وَزَاد أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه فِيهِ " فَإِنَّهُم بَنو أرفدة " كَأَنَّهُ يَعْنِي أَن هَذَا شَأْنهمْ وطريقتهم وَهُوَ من الْأُمُور الْمُبَاحَة فَلَا إِنْكَار عَلَيْهِم قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِيهِ تَنْبِيه على أَنهم يغْتَفر لَهُم مَا لم يغْتَفر لغَيرهم لِأَن الأَصْل فِي الْمَسَاجِد تنزيهها عَن اللّعب فَيقْتَصر على مَا ورد فِيهِ النَّص قَوْله " أمنا بني أرفدة " مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي ائمنوا أمنا وَلَا تخافوا وَيجوز أَن يكون أمنا الَّذِي هُوَ مصدر أقيم مقَام الصّفة كَقَوْلِك رجل عدل أَي عَادل وَالْمعْنَى آمِنين بني أرفدة وَقَالَ ابْن التِّين وَضبط فِي بعض الْكتب آمنا على وزن فَاعِلا وَيكون أَيْضا بِمَعْنى آمِنين قَوْله " حَتَّى إِذا مللت " بِكَسْر اللَّام الأولى من الْملَل وَهُوَ السَّآمَة وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ " حَتَّى أكون أَنا الَّذِي أسأم " وَلمُسلم من طَرِيقه " حَتَّى أكون أَنا الَّذِي أنصرف " وَفِي رِوَايَة يزِيد بن رُومَان عِنْد النَّسَائِيّ " أما شبعت أما شبعت فَجعلت أَقُول لَا لأنظر منزلتي عِنْده " وَله من رِوَايَة أبي سَلمَة عَنْهَا " قلت يَا رَسُول الله لَا تعجل فَقَامَ لي ثمَّ قَالَ حَسبك قلت لَا تعجل قلت وَمَا بِي حب النّظر إِلَيْهِم وَلَكِن أَحْبَبْت أَن تبلغ النِّسَاء مقَامه لي ومكانه مني " قَوْله " حَسبك " الِاسْتِفْهَام مُقَدّر أَي أحسبك وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي أكافيك هَذَا الْقدر (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه. الأول الْكَلَام فِي الْغناء قَالَ الْقُرْطُبِيّ أما الْغناء فَلَا خلاف فِي تَحْرِيمه لِأَنَّهُ من اللَّهْو واللعب المذموم بالِاتِّفَاقِ فَأَما مَا يسلم من الْمُحرمَات فَيجوز الْقَلِيل مِنْهُ فِي الأعراس والأعياد وشبههما وَمذهب أبي حنيفَة تَحْرِيمه وَبِه يَقُول أهل الْعرَاق وَمذهب الشَّافِعِي كَرَاهَته وَهُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك وَاسْتدلَّ جمَاعَة من الصُّوفِيَّة بِحَدِيث الْبَاب على إِبَاحَة الْغناء وسماعه بِآلَة وَبِغير آلَة وَيرد عَلَيْهِم بِأَن غناء الجاريتين لم يكن إِلَّا فِي وصف الْحَرْب والشجاعة وَمَا يجْرِي فِي الْقِتَال فَلذَلِك رخص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ وَأما الْغناء الْمُعْتَاد عَن المشتهرين بِهِ الَّذِي يُحَرك السَّاكِن ويهيج الكامن الَّذِي فِيهِ وصف محَاسِن الصّبيان وَالنِّسَاء وَوصف الْخمر وَنَحْوهَا من الْأُمُور الْمُحرمَة فَلَا يخْتَلف فِي تَحْرِيمه وَلَا اعْتِبَار لما أبدعته الجهلة من الصُّوفِيَّة فِي ذَلِك فَإنَّك إِذا تحققت أَقْوَالهم فِي ذَلِك وَرَأَيْت أفعالهم وقفت على آثَار الزندقة مِنْهُم وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا مُجَرّد الْغناء وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهِ مَعْصِيّة حَتَّى قَالُوا اسْتِمَاع الْقُرْآن بالألحان مَعْصِيّة والتالي وَالسَّامِع آثمان وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن المُرَاد بِهِ الْغناء وَفِي فردوس الْأَخْبَار " عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ إحذروا الْغناء فَإِنَّهُ من قبل إِبْلِيس وَهُوَ شرك عِنْد الله وَلَا يُغني إِلَّا الشَّيْطَان " وَلَا يلْزم من إِبَاحَة الضَّرْب بالدف فِي الْعرس وَنَحْوه إِبَاحَة غَيره من الْآلَات كالعود وَنَحْوه وَسُئِلَ أَبُو يُوسُف عَن الدُّف أتكرهه فِي غير الْعرس مثل الْمَرْأَة فِي منزلهَا وَالصَّبِيّ قَالَ فَلَا كَرَاهَة وَأما الَّذِي يَجِيء مِنْهُ اللّعب الْفَاحِش والغناء فَإِنِّي أكرهه. الثَّانِي فِيهِ جَوَاز اللّعب بِالسِّلَاحِ للتدريب على الْحَرْب والتنشيط عَلَيْهِ. وَفِيه جَوَاز المسايفة لما فِيهَا من تمرين الْأَيْدِي على آلَات الْحَرْب. الثَّالِث فِيهِ جَوَاز نظر النِّسَاء إِلَى فعل الرِّجَال الْأَجَانِب لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكره لَهُنَّ النّظر إِلَى المحاسن والاستلذاذ بذلك وَنظر الْمَرْأَة إِلَى وَجه الرجل الْأَجْنَبِيّ إِن كَانَ بِشَهْوَة فَحَرَام اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ بِغَيْر شَهْوَة فَالْأَصَحّ التَّحْرِيم وَقيل هَذَا كَانَ قبل نزُول {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} أَو كَانَ قبل بُلُوغ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا (قلت) فِيهِ نظر لِأَن فِي رِوَايَة ابْن حبَان أَن ذَلِك وَقع لما قدم وَفد الْحَبَشَة وَكَانَ قدومهم سنة سبع فَيكون عمرها حِينَئِذٍ خمس عشرَة سنة. الرَّابِع فِيهِ مَشْرُوعِيَّة التَّوسعَة على الْعِيَال فِي أَيَّام الأعياد بأنواع مَا يحصل لَهُم بِهِ بسط النَّفس وترويح الْبدن من كلف الْعِبَادَة وَإِن الْإِعْرَاض عَن ذَلِك أولى. الْخَامِس فِيهِ أَن إِظْهَار السرُور فِي الأعياد من شَعَائِر الدّين. السَّادِس فِيهِ جَوَاز دُخُول الرجل على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute