للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقريرا لقَولهم وَتَصْدِيقًا لَهُ. وَقَوله: {لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ} (الصافات: ٦١) مُرْتَبِط بقوله: إِن هَذَا أَي لأجل مثل هَذَا الْفَوْز العطيم، وَهُوَ دُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار فليعمل الْعَامِلُونَ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون قَائِل ذَلِك الْمُؤمن الَّذِي رأى قرينه، وَيحْتَمل أَن يكون كَلَامه انْقَضى عِنْد قَوْله: {الْفَوْز الْعَظِيم} (الصافات: ٦٠) وَالَّذِي بعد ابْتِدَاء من قَول الله عز وَجل لَا حِكَايَة عَن قَول الْمُؤمن، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِبْهَام المُصَنّف الْقَائِل. قلت: الْمُفَسِّرُونَ ذكرُوا فِي قَائِل هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال. الأول: إِن الْقَائِل هُوَ ذَلِك الْمُؤمن. وَالثَّانِي: إِنَّه هُوَ الله عز وَجل. وَالثَّالِث: إِنَّه بعض الْمَلَائِكَة. وَلَا يحْتَاج أَن يُقَال فِي ذَلِك بِالِاحْتِمَالِ الَّذِي ذكره هَذَا الشَّارِح، لِأَن كَلَامه يُوهم بِأَن هَذَا تصرف من عِنْده فَلَا يَصح ذَلِك، ثمَّ قَوْله وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِبْهَام المُصَنّف أَرَادَ بِهِ البُخَارِيّ كَلَام غير صَحِيح أَيْضا من وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن البُخَارِيّ لم يقْصد مَا ذكره هَذَا الشَّارِح قطّ، لِأَن مُرَاده من ذكره هَذِه الْآيَة بَيَان إِطْلَاق الْعَمَل على الْإِيمَان لَيْسَ إِلَّا، وَالْآخر: ذكر فعل وإبهام فَاعله من غير مرجع لَهُ وَمن غير قرينَة على تَعْيِينه غير صَحِيح.

٢٦ - حدّثنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى بْنُ إسمَاعِيلَ قالَا حدّثنا إبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حدّثنا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيد بْنِ المُسيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرةَ أَن رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ فقالَ إيمانٌ باللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذا قالَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيل ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ.

(الحَدِيث ٢٦ طرفه فِي: ١٥١٩)

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي اطلاق الْعَمَل على الْإِيمَان. وَقَالَ ابْن بطال: الْآيَة حجَّة فِي أَن الْعَمَل بِهِ ينَال دَرَجَات الْآخِرَة، وَأَن الْإِيمَان قَول وَعمل، وَيشْهد لَهُ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة أهل السّنة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَمن بعدهمْ. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُرَاد البُخَارِيّ بالتبويب، وَقَالَ أَيْضا فِي هَذَا الحَدِيث: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْإِيمَان من الْعَمَل، وَفرق فِي أَحَادِيث أخر بَين الْإِيمَان والأعمال، وَأطلق اسْم الْإِيمَان مُجَردا على التَّوْحِيد، وعملَ الْقلب، وَالْإِسْلَام على النُّطْق وَعمل الْجَوَارِح، وَحَقِيقَة الْإِيمَان مُجَرّد التَّصْدِيق المطابق لِلْقَوْلِ وَالْعقد، وَتَمَامه بِتَصْدِيق الْعَمَل بالجوارح، فَلهَذَا أَجمعُوا أَنه لَا يكون مُؤمن تَامّ الْإِيمَان إِلَّا باعتقاد وَقَول وَعمل، وَهُوَ الْإِيمَان الَّذِي يُنجي رَأْسا من نَار جَهَنَّم، ويعصم المَال وَالدَّم، وعَلى هَذَا يَصح إِطْلَاق الْإِيمَان على جَمِيعهَا، وعَلى بَعْضهَا من: عقد أَو قَول أَو عمل وعَلى هَذَا لَا شكّ بِأَن التَّصْدِيق والتوحيد أفضل الْأَعْمَال إِذْ هُوَ شَرط فِيهَا.

(بَيَان رِجَاله) : وهم سِتَّة. الأول: أَحْمد بن يُونُس: هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس بن عبد الله بن قيس الْيَرْبُوعي التَّمِيمِي، يكنى بِأبي عبد الله، واشتهر بِأَحْمَد بن يُونُس مَنْسُوبا إِلَى جده. يُقَال: إِنَّه مولى الفضيل بن عِيَاض، مَالِكًا سمع وَابْن أبي ذِئْب وَاللَّيْث والفضيل وخلقا كثيرا، روى عَنهُ: أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد، وروى البُخَارِيّ عَن يُوسُف بن مُوسَى عَنهُ، وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ، قَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ ثِقَة متقنا، وَقَالَ أَحْمد فِيهِ: شيخ الْإِسْلَام، وَتُوفِّي فِي ربيع الآخر سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْن أَربع وَتِسْعين سنة. الثَّانِي: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، بِكَسْر الْمِيم، وَقد سبق ذكره. الثَّالِث: إِبْرَاهِيم بن سعد سبط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ، وَقد سبق ذكره. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَقد سبق ذكره. الْخَامِس: سعيد بن الْمسيب، بِضَم الْمِيم وَفتح الْيَاء على الْمَشْهُور، وَقيل بِالْكَسْرِ، وَكَانَ يكره فتحهَا، وَأما غير وَالِد سعيد فبالفتح من غير خلاف: كالمسيب بن رَافع، وَابْنه الْعَلَاء بن الْمسيب، وَغَيرهمَا. وَالْمُسَيب هُوَ ابْن حزن، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي الْمُعْجَمَة، ابْن أبي وهب بن عَمْرو بن عايذ بِالْيَاءِ آخر بالحروف والذال الْمُعْجَمَة، ابْن عمرَان بن مَخْزُوم بن يقظة، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْقَاف والظاء الْمُعْجَمَة بن مرّة الْقرشِي المَخْزُومِي الْمدنِي إِمَام التَّابِعين وفقيه الْفُقَهَاء، أَبوهُ وجده صحابيان أسلما يَوْم فتح مَكَّة، ولد لِسنتَيْنِ مضتا من خلَافَة عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَقيل: لأَرْبَع سمع عمر وَعُثْمَان وعليا وَسعد بن أبي وَقاص وَأَبا هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنْهُم، وَهُوَ زوج بنت أبي هُرَيْرَة، وَأعلم النَّاس بحَديثه، وروى عَنهُ خلق من التَّابِعين وَغَيرهم، وَاتَّفَقُوا على جلالته وإمامته، وتقدمه على أهل عصره فِي الْعلم وَالتَّقوى، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا أعلم فِي التَّابِعين أوسع علما مِنْهُ، وَقَالَ أَحْمد: سعيد أفضل التَّابِعين، فَقيل لَهُ: فسعيد عَن عمر حجَّة. قَالَ: فَإِذا لم يقبل سعيد عَن عمر فَمن يقبل؟ وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>