للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعِمَامَة والزبرقان، بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وبالقاف: هُوَ لقب، واسْمه: الْحصين. قَالَ ابْن السّكيت لقب الزبْرِقَان لصفرة عمَامَته، والمبرور: هُوَ الَّذِي لَا يخالطه إِثْم، وَمِنْه: برت يَمِينه إِذا سلم من الْحِنْث. وَقيل: هُوَ المقبول، وَمن عَلَامَات الْقبُول أَنه إِذا رَجَعَ يكون حَاله خيرا من الْحَال الَّذِي قبله، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فِيهِ، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا تتعقبه مَعْصِيّة، وهما داخلان فِيمَا قبلهمَا، وَالْبر، بِالْكَسْرِ: الطَّاعَة وَالْقَبُول، يُقَال: بر حجك، بِضَم الْبَاء وَفتحهَا لازمين، وبر الله حجك، وَأبر الله اي قبله، فَلهُ أَرْبَعَة استعمالات. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: المبرور المتقبل، يُقَال: بر الله حجه يبره اي: تقبله، وَأَصله من الْبر، وَهُوَ اسْم لجماع الْخَيْر، وبررت فلَانا أبره برا، إِذا وصلته وكل عمل صَالح بر، وَجعل لبيد الْبر: التَّقْوَى، فَقَالَ:

(وَمَا الْبر إلَاّ مضمرات من التقى ... وَمَا المَال إلاّ معمرات ودائع)

قَوْله: مضمرات، يَعْنِي الخفايا من التقى، قَوْله: وَمَا المَال إلاّ معمرات: اي المَال الَّذِي فِي أَيْدِيكُم ودائع مُدَّة عمركم ثمَّ يصير لغيركم. واما قَول عَمْرو ابْن ام مَكْتُوم:

(نحز رؤوسهم فِي غير بر)

فَمَعْنَاه: فِي غير طَاعَة. وَفِي (الْعباب) : المبرة وَالْبر: خلاف العقوق، وَقَوله تَعَالَى: {اتأمرون النَّاس بِالْبرِّ} (الْبَقَرَة: ٤٤) أَي: بالاتساع فِي الْإِحْسَان وَالزِّيَادَة مِنْهُ وَقَوله عز وَجل: {لن تنالوا الْبر} (الْبَقَرَة: ١٨٩) قَالَ السّديّ: يَعْنِي الْجنَّة وَالْبر أَيْضا: الصِّلَة، تَقول مِنْهُ: بررت وَالِدي، بِالْكَسْرِ، و: بررته، بِالْفَتْح، أبره برا، والمبرور: الَّذِي لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا خلابة، وَقَالَ ابو الْعَبَّاس: هُوَ الَّذِي لَا يدالس فِيهِ وَلَا يوالس، يدالس فِيهِ: يظلم فِيهِ، ويوالس: يخون.

(بَيَان الاعراب:) قَوْله: (سُئِلَ) جملَة فِي مَحل الرّفْع لانها خبر: إِن، والسائل هُوَ: ابو ذَر رَضِي الله عَنهُ، وَحَدِيثه فِي الْعتْق. قَوْله: (أَي الْعَمَل) ؟ كَلَام إضافي: مُبْتَدأ وَخَبره: (أفضل) وَأي، هَهُنَا استفهامية، وَلَا تسْتَعْمل إلَاّ مُضَافا إِلَيْهِ إلَاّ فِي النداء والحكاية، يُقَال: جَاءَنِي رجل، فَتَقول: أَي: يَا هَذَا، وَجَاءَنِي رجلَانِ فَتَقول: أَيَّانَ، وَرِجَال فَتَقول: أيون. فَإِن قلت: (افضلْ) أفعل التَّفْضِيل وَلَا يسْتَعْمل إلَاّ بِأحد الأَوجه الثَّلَاثَة، وَهِي: الْإِضَافَة، وَاللَّام، وَمن، فَلَا يجوز أَن يُقَال: زيد أفضل. قلت: إِذا علم يجوز اسْتِعْمَاله مُجَردا نَحْو: الله اكبر، أَي: أكبر من كل شَيْء؟ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {اتستبدلون الذى هُوَ ادنى بالذى هُوَ خير} (الْبَقَرَة: ٦١) ؟ وَسَوَاء فِي ذَلِك كَون أفعل خَبرا كَمَا فِي الْآيَة، أَو غير خبر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يعلم السِّرّ واخفى} (طه: ٧) وَقد يجرد: أفعل عَن معنى التَّفْضِيل وَيسْتَعْمل مُجَردا مؤولاً باسم الْفَاعِل، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {هُوَ أعلم بكم إِذْ أنشأكم من الارض} (النَّجْم: ٣٢) ، وَقد يؤول بِالصّفةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ اهون عَلَيْهِ} (الرّوم: ٢٧) قَوْله: (قَالَ) اي: النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَوله: (إِيمَان بِاللَّه) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ إِيمَان بِاللَّه، وَالتَّقْدِير: أفضل الاعمال الْإِيمَان بِاللَّه. قَوْله: (وَرَسُوله) بِالْجَرِّ تَقْدِيره: وَالْإِيمَان بِرَسُولِهِ. قَوْله: (قيل) ، مَجْهُول قَالَ، وَأَصله: نقلت كسرة الْوَاو إِلَى الْقَاف بعد سلب حركتها، فَصَارَ: قَول، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْوَاو، ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، فَصَارَ: قيل، وَالْقَائِل هُوَ السَّائِل فِي الاول. قَوْله: (ثمَّ مَاذَا) ، كلمة ثمَّ للْعَطْف مَعَ التَّرْتِيب الذكري، وَمَا مُبْتَدأ و: ذَا، خَبره، وَكلمَة: مَا، استفهامية، و: ذَا، اسْم اشارة وَالْمعْنَى: ثمَّ أَي شَيْء افضل بعد الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله؟ وَيجوز أَن تكون الْجمل كلهَا استفهاماً على التَّرْتِيب. قَوْله (الْجِهَاد) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هُوَ الْجِهَاد وَالتَّقْدِير: أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله الْجِهَاد، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي إِعْرَاب قَوْله: (ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حج مبرور) .

(بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان) : فِيهِ حذف الْمُبْتَدَأ فِي ثَلَاث مَوَاضِع الَّذِي هُوَ الْمسند إِلَيْهِ لكَونه مَعْلُوما إحترازاً عَن الْعَبَث؛ وَفِيه تنكير الْإِيمَان وَالْحج وتعريف الْجِهَاد، وَذَلِكَ لِأَن الايمان وَالْحج لَا يتَكَرَّر وجوبهما بِخِلَاف الْجِهَاد فَإِنَّهُ قد يتَكَرَّر، فالتنوين للإفراد الشخصي، والتعريف للكمال، إِذْ الْجِهَاد لَو أَتَى بِهِ مرّة مَعَ الِاحْتِيَاج إِلَى التّكْرَار لما كَانَ أفضل. وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب عَلَيْهِ بَان التنكير من جملَة وجوهه: التَّعْظِيم، وَهُوَ يُعْطي الْكَمَال، وَبِأَن التَّعْرِيف من جملَة وجوهه: الْعَهْد، وَهُوَ يُعْطي الْإِفْرَاد الشخصي، فَلَا يسلم الْفرق. قلت: هَذَا التعقيب فَاسد، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون التَّعْظِيم من جملَة وُجُوه التنكير أَن يكون دَائِما للتعظيم، بل يكون تَارَة للإفراد، وَتارَة للنوعية، وَتارَة للتعظيم، وَتارَة للتحقير، وَتارَة للتكثير، وَتارَة للتقليل. وَلَا يعرف الْفرق وَلَا يُمَيّز إلَاّ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّة على وَاحِد مِنْهَا، وَهَهُنَا دلّت الْقَرِينَة أَن التنكير للإفراد الشخصي. وَقَوله: وَبَان التَّعْرِيف من وجوهه الْعَهْد فَاسد عِنْد الْمُحَقِّقين، لِأَن عِنْدهم أصل التَّعْرِيف للْعهد، وَفرق كثير بَين كَونه للْعهد وَبَين

<<  <  ج: ص:  >  >>