(كَمَا قد رأى فِي الْيَوْم والأمس جده ... ووالده رؤياهم غير آفل)
يذكر فِيهَا أَشْيَاء كَثِيرَة من عَدَاوَة قُرَيْش إِيَّاه بِسَبَب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومدحه نَفسه وَنسبه وَذكر سيادته وحمايته للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والتعرض لبني أُميَّة، وَغير ذَلِك، يعرفهَا من يقف عَلَيْهَا. وَقد تمثل عبد الله بن عمر بِالْبَيْتِ الْمَذْكُور، وَمعنى التمثل: إنشاد شعر غَيره. قَوْله:(وأبيض) ، بِفَتْح الضَّاد وَضمّهَا، وَجه الْفَتْح أَن يكون مَعْطُوفًا على قَوْله:(سيدا) فِي الْبَيْت الَّذِي قبله، وَهُوَ قَوْله:
(وَمَا ترك قوم لَا أَبَا لَك سيدا ... ٧٠ يحوط الذمار غير ذرب مؤاكل)
و: الذمار، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة: وَهُوَ مَا لزمك حفظه مِمَّا وَرَاءَك، وَتعلق بِهِ قَوْله:(غير ذرب) أَرَادَ بِهِ: ذرب اللِّسَان بِالشَّرِّ، وَأَصله من: ذرب الْمعدة، وَهُوَ فَسَادهَا، والمؤاكل، بِضَم الْمِيم: الَّذِي يستأكل، وَيجوز أَن يكون مَفْتُوحًا فِي مَوضِع الْجَرّ بِرَبّ الْمقدرَة، وَالْوَجْه الأول أوجه، وَوجه الضَّم هُوَ الرّفْع إِن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَهُوَ أَبيض. قَوْله:(يَسْتَسْقِي الْغَمَام بِوَجْهِهِ) جملَة وَقعت صفة لأبيض، ومحلها من الْإِعْرَاب النصب أَو الرّفْع على التَّقْدِيرَيْنِ. قَوْله:(ثمال الْيَتَامَى) كَلَام إضافي يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب على التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورين، والثمال، بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة: قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ مطعم لِلْيَتَامَى، يُقَال: ثملهم يثملهم إِذا كَانَ يُطعمهُمْ وَفِي (مجمع الغرائب) : يُقَال: هُوَ ثمال قومه إِذا كَانَ يقوم بأمرهم، وَفِي (الْمُحكم) : فلَان ثمال بني فلَان، أَي: عمادهم. وَقَالَ ابْن التِّين: أَي الْمطعم عِنْد الشدَّة. قَوْله:(عصمَة للأرامل) ، كَذَلِك بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْإِعْرَاب، والأرامل جمع أرمل، وَهُوَ الَّذِي نفد زَاده، وَقَالَ ابْن سَيّده: رجل أرمل وَامْرَأَة أرملة وَهِي المحتاجة والأرامل والأراملة، كسروه تكسير الْأَسْمَاء لغلبته، وكل جمَاعَة من رجال وَنسَاء أَو رجال دون نسَاء أَو نسَاء دون رجال أرامل بعد أَن يَكُونُوا مُحْتَاجين. وَفِي (الْجَامِع) : قَالُوا: وَلَا يُقَال رجل أرمل لِأَنَّهُ لَا يكَاد يذهب زَاده بذهاب امْرَأَته، إِذْ لم تكن قيِّمة عَلَيْهِ بالمعيشة، بِخِلَاف الْمَرْأَة، وَقد زعم قوم أَنه يُقَال: رجل أرمل إِذا مَاتَت امْرَأَته، قَالَ الحطيئة:
قَالَ السُّهيْلي، رَحمَه الله تَعَالَى. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ أَبُو طَالب: يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ، وَلم يره قطّ استسقى، إِنَّمَا كَانَ ذَاك من بعد الْهِجْرَة؟ وَأجَاب: بِمَا حَاصله: أَن أَبَا طَالب أَشَارَ إِلَى مَا وَقع فِي زمن عبد الْمطلب، حَيْثُ استسقى لقريش وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه وَهُوَ غُلَام، قيل: يحْتَمل أَن يكون أَو طَالب مدحه بذلك لما رأى من مخائل ذَلِك فِيهِ، وَإِن لم يُشَاهد وُقُوعه، وَقَالَ ابْن التِّين: إِن فِي شعر أبي طَالب هَذَا دلَالَة على أَنه كَانَ يعرف نبوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يبْعَث، لما أخبرهُ بِهِ بحيراء وَغَيره من شَأْنه. قيل: فِيهِ نظر، لِأَن ابْن إِسْحَاق زعم أَن أَبَا طَالب أنشأ هَذَا الشّعْر بعد الْبَعْث. قلت: فِي هَذَا النّظر نظر، لِأَنَّهُ لما علم أَنه نَبِي بأخبار بحيراء وَغَيره أنْشد هَذَا الشّعْر بِنَاء على مَا علمه من ذَلِك قبل أَن يبْعَث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.