للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الترس) ، أَي: مستديرة، والتشبيه فِي الاستدارة لَا فِي الْقدر يدل عَلَيْهِ مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة: (فَنَشَأَتْ سَحَابَة مثل رجل الطَّائِر وَأَنا أنظر إِلَيْهَا) . فَهَذَا يشْعر بِأَنَّهَا كَانَت صَغِيرَة، وَفِي رِوَايَة ثَابت: (فهاجت ريح أنشأت سحابا ثمَّ اجْتمع) ، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب: (فَنَشَأَ السَّحَاب بعضه إِلَى بعض) ، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة: (حَتَّى ثار السَّحَاب أَمْثَال الْجبَال) أَي: لكثرته وَفِيه: (ثمَّ ينزل عَن منبره حَتَّى رَأينَا الْمَطَر يتحادر على لحيته) ، وَهَذَا يدل على أَن السّقف وكف لكَونه كَانَ من جريد النّخل. قَوْله: (فَلَمَّا توسطت السَّمَاء) أَي: بلغت إِلَى وسط السَّمَاء وَهِي على هَيْئَة مستديرة ثمَّ انتشرت. قَوْله: (ثمَّ أمْطرت) ، قد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الاسْتِسْقَاء فِي الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (مَا رَأينَا الشَّمْس سبتا) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَرَادَ بِهِ الْيَوْم الَّذِي بعد الْجُمُعَة، وَلَكِن المُرَاد بِهِ الْأُسْبُوع، وَهُوَ من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم بعضه، كَمَا يُقَال: جُمُعَة، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. فَإِن قلت: كَيفَ عبر أنس بالسبت؟ قلت: لِأَنَّهُ كَانَ من الْأَنْصَار، وَكَانُوا قد جاوروا الْيَهُود فَأخذُوا بِكَثِير من اصطلاحهم، وَإِنَّمَا سموا الْأُسْبُوع سبتا لِأَنَّهُ أعظم الْأَيَّام عِنْدهم، كَمَا أَن الْجُمُعَة أعظم الْأَيَّام عِنْد الْمُسلمين، وَوَقع فِي رِوَايَة الدَّاودِيّ: سِتا، بِكَسْر السِّين وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَأَرَادَ بِهِ: سِتَّة أَيَّام، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ تَصْحِيف، ورد عَلَيْهِ بِأَن الدَّاودِيّ لم ينْفَرد بِهِ، فقد وَقع فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي كَذَا، يَعْنِي: سِتا، وَكَذَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور عَن الدَّرَاورْدِي عَن شريك، وَوَافَقَهُ أَحْمد من رِوَايَة ثَابت عَن أنس. فَإِن قلت: وَجه التَّصْحِيف أَنه مستبعد لرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الْآتِيَة: سبعا. قلت: لَا استبعاد فِي ذَلِك، لِأَن من روى سبعا أضَاف إِلَى السبت يَوْمًا مُلَفقًا من الجمعتين، وَوَقع فِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة: (فمطرنا يَوْمنَا ذَلِك وَمن الْغَد وَمن بعد الْغَد وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَة الْأُخْرَى) ، وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك عَن شريك: (فمطرنا من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة) ، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة الْآتِيَة: (فمطرنا فَمَا كدنا نصل إِلَى مَنَازلنَا) ، أَي: من كَثْرَة الْمَطَر، وَقد تقدم فِي كتاب الْجُمُعَة من وَجه آخر: (فخرجنا نَخُوض المَاء حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازلنَا) ، وَلمُسلم فِي رِوَايَة ثَابت: (فأمطرنا حَتَّى رَأَيْت الرجل تهمه نَفسه أَن يَأْتِي أَهله) ، وَلابْن خُزَيْمَة فِي رِوَايَة حميد: (حَتَّى أهم الشَّبَاب الْقَرِيب الدَّار الرُّجُوع إِلَى أَهله) ، وللبخاري فِي (الْأَدَب) من طَرِيق قَتَادَة: (حَتَّى سَالَتْ مثاعب الْمَدِينَة) ، المثاعب: جمع مثعب، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: مسيل المَاء. قَوْله: (ثمَّ دخل رجل من ذَلِك الْبَاب) الظَّاهِر: أَن هَذَا غير ذَاك الرجل الأول، لِأَن النكرَة إِذا أُعِيدَت نكرَة تكون غَيره، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق عَن أنس: (فَقَامَ ذَلِك الرجل أَو غَيره) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون هَذَا هُوَ الرجل الأول، وَلكنه شكّ فِيهِ بقوله: (أَو غَيره) ، أَي: أَو غير ذَلِك الرجل، وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة يحيى بن سعيد: (فَأتى الرجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن هَذَا هُوَ الأول، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق حَفْص عَن أنس بِلَفْظ: (فَمَا زلنا نمطر حَتَّى جَاءَ ذَلِك الْأَعرَابِي فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى) ، وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك. قَوْله: (وَرَسُول الله قَائِم) ، جملَة إسمية حَالية، قَوْله: (فَاسْتَقْبلهُ قَائِما) انتصاب: قَائِما، على أَنه حَال من الضَّمِير الْمَرْفُوع الَّذِي فِي: اسْتقْبل، لَا من الضَّمِير الْمَنْصُوب. قَوْله: (هَلَكت الْأَمْوَال وانقطعت السبل) ، يَعْنِي: بِسَبَب كَثْرَة المياة، لِأَنَّهُ انْقَطع المرعى فَهَلَكت الْمَوَاشِي من عدم الرَّعْي، أَو لعدم مَا يكنها من الْمَطَر، وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي رِوَايَة سعيد عَن شريك أخرجهَا النَّسَائِيّ: (من كَثْرَة المَاء) ، وَفِي رِوَايَة حميد عِنْد ابْن خُزَيْمَة: (وَاحْتبسَ الركْبَان) ، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن شريك: (تهدمت الْبيُوت) ، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة: (هدم الْبناء وغرق المَال) . قَوْله: (فَادع الله أَن يمْسِكهَا) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني. وَفِي رِوَايَة غَيره: (فَادع الله يمْسِكهَا) ، بِدُونِ كلمة: إِن، وَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب والجزم إِمَّا الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَأما النصب فبكلمة: إِن، الْمقدرَة، وَأما الْجَزْم فعلى أَنه جَوَاب الْأَمر، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الأمطار الَّتِي يدل عَلَيْهِ. قَوْله: (ثمَّ أمْطرت) ، أَو إِلَى السحابة، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد عَن شريك: (أَن يمسك عَنَّا المَاء) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق ثَابت: (أَن يرفعها عَنَّا) ، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب: (فَادع رَبك أَن يحبسها عَنَّا، فَضَحِك) . وَفِي رِوَايَة ثَابت: (فَتَبَسَّمَ) ، وَزَاد حميد: (لسرعة ملال ابْن آدم) . قَوْله: (حوالينا) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (حولنا) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، والحول والحوال بِمَعْنى الْجَانِب، وَالَّذِي فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: تَثْنِيَة، حوال، وَهُوَ ظرف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف، تَقْدِيره: اللَّهُمَّ أنزل أَو أمطر حوالينا وَلَا تنزل علينا. فَإِن قلت: إِذا أمْطرت حول الْمَدِينَة فالطريق تكون ممتنعة، وَإِذن لم يزل شكواهم؟ قلت: أَرَادَ بقوله: (حوالينا) : الآكام والظراب، وشبههما كَمَا فِي الحَدِيث، فَتبقى الطَّرِيق على هَذَا مسلوكة، كَمَا سَأَلُوا. وَأَيْضًا أخرج الطّرق بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>