للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كري الشكل وَظَاهر الشَّرْع خلاف ذَلِك؟ وَالثَّابِت من قَوَاعِد الشَّرْع أَن الْكُسُوف أثر الْإِرَادَة الْقَدِيمَة، وَفعل الْفَاعِل الْمُخْتَار فيخلق فِي هذَيْن الجرمين النُّور مَتى شَاءَ والظلمة مَتى شَاءَ من غير تَوْقِيف على سَبَب أَو ربط باقتراب، وَكَيف يرد الحَدِيث الْمَذْكُور وَقد أثْبته جمَاعَة من الْعلمَاء وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم؟ وَلَئِن سلمنَا أَن مَا ذكره أهل الْحساب صَحِيح فِي نفس الْأَمر، فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي كَون ذَلِك مخوفا لعباد الله تَعَالَى.

وَقَالَ أبُو عُبَيه الله لَمْ يَذْكُرْ عبْدُ الوَارِثِ وشُعْبَةُ وخالِدُ بنُ عَبْدِ الله وحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عنْ يُونُسَ يُخوِّفُ بِهِمَا عِبَادِهِ

أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى أَن عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري وَشعْبَة بن الْحجَّاج وخَالِد بن عبد الله الطَّحَّان الوَاسِطِيّ وَحَمَّاد بن سَلمَة، بِفَتْح اللَّام، لم يذكرُوا فِي روايتهم عَن يُونُس بن عبيد الْمَذْكُور عَن قريب لفظ: (يخوف الله بهما عباده) فِي رِوَايَته عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي بكرَة. أما رِوَايَة عبد الْوَارِث فَذكرهَا البُخَارِيّ بعد عشرَة أَبْوَاب فِي بَاب الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر، وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا اللَّفْظ، على مَا ستقف عَلَيْهَا، وَلَكِن ثَبت ذَلِك عَن عبد الْوَارِث من وَجه آخر رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عمرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث، قَالَ: حَدثنَا يُونُس عَن الْحسن عَن أبي بكرَة قَالَ: (كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانكسفت الشَّمْس فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد وثاب إِلَيْهِ النَّاس، فصلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انكشفت قَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله يخوف الله بهما عباده، وإنهما لَا ينخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا حَتَّى يكسف مَا بكم، وَذَلِكَ أَن ابْنا لَهُ مَاتَ يُقَال لَهُ: إِبْرَاهِيم، فَقَالَ نَاس فِي ذَلِك) . وَأما رِوَايَة شُعْبَة فأخرجها البُخَارِيّ فِي: بَاب كسوف الْقَمَر، حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن عَامر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن يُونُس عَن الْحسن (عَن أبي بكرَة قَالَ: انكسفت الشَّمْس على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى رَكْعَتَيْنِ) . وَأما رِوَايَة خَالِد بن عبد الله فقد مَضَت فِي أول أَبْوَاب الْكُسُوف. وَأما رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة فأخرجها الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) : عَن عَليّ بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن يُونُس فَذكره، وأخرجها الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق أبي زَكَرِيَّا السيلَحِينِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن يُونُس فَذكره.

وتَابَعَهُ مُوسى عنْ مُبَارَكٍ عنِ الحَسَنِ قَالَ أَخْبرنِي أبُو بَكْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ الله تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ

أَي: تَابع يُونُس فِي رِوَايَته عَن الْحسن مُوسَى عَن مبارك، وَاخْتلف فِي المُرَاد بمُوسَى، فَقيل: هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي وَجزم بِهِ الْحَافِظ الْمزي، وَقيل: هُوَ مُوسَى بن دَاوُد الضَّبِّيّ، وَمَال إِلَيْهِ الْحَافِظ الدمياطي وَجَمَاعَة. قيل: الأول أرجح لكَون مُوسَى بن إِسْمَاعِيل مَعْرُوفا فِي رجال البُخَارِيّ، ومبارك هُوَ: ابْن فضَالة بن أبي أُميَّة الْقرشِي الْعَدوي الْبَصْرِيّ، وَفِيه مقَال، وَأَرَادَ بِهِ البُخَارِيّ تنصيص الْحسن على سَمَاعه من أبي بكرَة، فَإِن ابْن خَيْثَمَة ذكر فِي (تَارِيخه الْكَبِير) عَن يحيى أَنه لم يسمع مِنْهُ، وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة للرَّدّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ صرح فِيهَا أَن الْحسن قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو بكرَة، وَقد علم أَن الْمُثبت يرجح على النَّافِي. قَوْله: (يخوف الله بهما) أَي: بكسوف الشَّمْس وكسوف الْقَمَر، ويروى: (بهَا) ، أَي: بِالْآيَةِ، فَإِن كسوفهما آيَة من الْآيَات، وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر: (إِن الله يخوف) .

وتابَعَهُ أشْعَثُ عنِ الحَسَنِ

يَعْنِي: تَابع مبارك بن فضَالة أَشْعَث بن عبد الْملك الحمراني عَن الْحسن كَذَلِك، لَكِن بِلَا ذكر التخويف، رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِك عَن الفلاس عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن أَشْعَث عَن الْحسن (عَن أبي بكرَة، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكسفت الشَّمْس فَوَثَبَ يجر ثَوْبه فصلى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انجلت الشَّمْس) . وَقَالَ بَعضهم: وَقع قَوْله: (تَابعه أَشْعَث) ، فِي بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>