فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الحوضي بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود عَن خَالِد عَن شُعْبَة بِهِ مُخْتَصرا قَرَأَ النَّجْم فَسجدَ فِيهَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَرَأَ النَّجْم) أَي: سُورَة والنجم. قَوْله: (بِمَكَّة) أَي: فِي مَكَّة، ومحلها النصب على الْحَال. قَوْله: (وَسجد من مَعَه) أَي: مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكلمَة: من، مَوْصُولَة بِمَعْنى: الَّذِي. قَوْله: (غير شيخ) سَمَّاهُ فِي تَفْسِير سُورَة النَّجْم من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق أُميَّة بن خلف، وَوَقع فِي سير ابْن إِسْحَاق أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لم يقتل، وَقيل: عتبَة بن ربيعَة، وَقيل: أَبُو أحيجة سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي النَّسَائِيّ: (عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي النَّجْم وَسجد النَّاس مَعَه، قَالَ الْمطلب فَلم أَسجد مَعَهم وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك) ، وَفِي لفظ: (فأبيت أَن أَسجد مَعَهم، وَلم يكن يَوْمئِذٍ أسلم، فَلَمَّا أسلم قَالَ: لَا أدع السُّجُود فِيهَا أبدا) . وَقَالَ ابْن بزيزة: كَانَ منافقا، وَفِيه نظر، لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة وَإِنَّمَا المُنَافِقُونَ فِي الْمَدِينَة، وَفِي (المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون فِي النَّجْم إلاّ رجلَيْنِ من قُرَيْش، أَرَادَ بذلك الشُّهْرَة) . قَوْله: (فرأيته) الرَّائِي هُوَ عبد الله بن مَسْعُود، أَي: رَأَيْت الشَّيْخ الْمَذْكُور (بعد ذَلِك قتل كَافِرًا) ببدر، ويروى: (فرأيته بعدُ قتل كَافِرًا) بِضَم الدَّال، أَي: بعد ذَلِك.
ذكر مَا يتَعَلَّق بِحكم هَذَا الْبَاب: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِي أَن سَبَب وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة، التِّلَاوَة فِي حق التَّالِي وَالسَّمَاع فِي حق السَّامع، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَا خلاف فِي كَون التِّلَاوَة سَببا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي سَبَبِيَّة السماع، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ سَبَب لقَولهم السَّجْدَة على من سَمعهَا، وَهُوَ اخْتِيَار شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ السماع بِسَبَب، وَقَالَ الوبري: سَبَب وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة ثَلَاثَة: التِّلَاوَة وَالسَّمَاع والاقتداء بِالْإِمَامِ وَإِن لم يسْمعهَا وَلم يَقْرَأها، وللشافعية ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَنه فِي حق السَّامع من غير قصد يسْتَحبّ، وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص فِي الْبُوَيْطِيّ وَغَيره، وَلَا يتَأَكَّد فِي حَقه. الْوَجْه الثَّانِي: هُوَ كالمستمع. وَالثَّالِث: لَا يسن لَهُ، وَبِه قطع أَبُو حَامِد والبندنيجي.
الثَّانِي: أَن سَجْدَة التِّلَاوَة أسنة أم وَاجِبَة؟ فَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى وُجُوبهَا على التَّالِي وَالسَّامِع، سَوَاء قصد سَماع الْقُرْآن، أَو لم يقْصد، وَاسْتدلَّ صَاحب (الْهِدَايَة) على الْوُجُوب بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (السَّجْدَة على من سَمعهَا، السَّجْدَة على من تَلَاهَا) . ثمَّ قَالَ كلمة: على، للْإِيجَاب، والْحَدِيث غير مُقَيّد بِالْقَصْدِ. قلت: هَذَا غَرِيب لم يثبت، وَإِنَّمَا روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: السَّجْدَة على من سَمعهَا) . وَفِي البُخَارِيّ (قَالَ عُثْمَان: إِنَّمَا السُّجُود على من اسْتمع) . وَاسْتدلَّ أَيْضا بِالْآيَاتِ: {فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ وَإِذا قرىء عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق: ٠٢، ١٢) . {فاسجدوا لله واعبدوا} (النَّجْم: ٢٦) . واسجد واقترب} (العلق: ٩١) . وَقَالُوا: الذَّم لَا يتَعَلَّق إلاّ بترك وَاجِب، وَالْأَمر فِي الْآيَتَيْنِ للْوُجُوب، وروى ابْن أبي شيبَة (عَن حَفْص عَن حجاج عَن إِبْرَاهِيم وَنَافِع وَسَعِيد ابْن جُبَير: أَنهم قَالُوا: من سمع السَّجْدَة فَعَلَيهِ أَن يسْجد) . وَعَن إِبْرَاهِيم بِسَنَد صَحِيح: (إِذا سمع الرجل السَّجْدَة وَهُوَ يُصَلِّي فليسجد) ، وَعَن الشّعبِيّ: (كَانَ أَصْحَاب عبد الله إِذا سمعُوا السَّجْدَة سجدوا، فِي صَلَاة كَانُوا أَو غيرهآ) . وَقَالَ شُعْبَة: (سَأَلت حمادا عَن الرجل يُصَلِّي فَيسمع السَّجْدَة؟ قَالَ: يسْجد) . وَقَالَ الحكم مثل ذَلِك، وَحدثنَا هشيم: أخبرنَا مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يَقُول فِي الْجنب: (إِذا سمع السَّجْدَة يغْتَسل، ثمَّ يقْرؤهَا فيسجدها، فَإِن كَانَ لَا يحسنها قَرَأَ غَيرهَا ثمَّ يسْجد) . وَحدثنَا حَفْص (عَن حجاج عَن فُضَيْل عَن إِبْرَاهِيم وَعَن حَمَّاد وَسَعِيد بن جُبَير قَالُوا: إِذا سمع الْجنب السَّجْدَة اغْتسل ثمَّ سجد) . وَحدثنَا عبيد الله ابْن مُوسَى عَن أبان الْعَطَّار عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب (عَن عُثْمَان فِي الْحَائِض تسمع السَّجْدَة؟ قَالَ: تومىء برأسها، وَتقول: اللَّهُمَّ لَك سجدت) . (وَعَن الْحسن فِي رجل نسي السَّجْدَة من أول صلَاته فَلم يذكرهَا حَتَّى كَانَ فِي آخر رَكْعَة من صلَاته، قَالَ: يسْجد فِيهَا ثَلَاث سَجدَات، فَإِن لم يذكرهَا حَتَّى يقْضِي صلَاته غير أَنه لم يسلم مَعَه، قَالَ: يسْجد سَجْدَة وَاحِدَة مَا لم يتَكَلَّم، فَإِن تكلم اسْتَأْنف الصَّلَاة) . وَعَن إِبْرَاهِيم: (إِذا نسي السَّجْدَة فليسجدها مَتى مَا ذكرهَا فِي صلَاته) ، وَسُئِلَ مُجَاهِد فِي رجل شكّ فِي سَجْدَة وَهُوَ جَالس لَا يدْرِي سجدها أم لَا؟ قَالَ مُجَاهِد: إِن شِئْت فاسجدها، فَإِذا قضيت صَلَاتك فاسجد سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس، وَإِن شِئْت فَلَا تسجدها واسجد سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس فِي آخر صَلَاتك) . وَذهب الشَّافِعِي وَمَالك فِي أحد قوليه وَأحمد وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاوُد إِلَى: أَنَّهَا سنة، وَهُوَ قَول عمر وسلمان وَابْن عَبَّاس وَعمْرَان بن الْحصين، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَدَاوُد. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند الْمَالِكِيَّة خلاف فِي كَونهَا سنة أَو فَضِيلَة، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute