خلف الإِمَام لَا يَسْتَدْعِي حذف مَا قَالَه زيد، لِأَن هَذَا الْموضع لَيْسَ فِي بَيَان مَوضِع قِرَاءَة الْمُقْتَدِي خلف الإِمَام، وَإِنَّمَا الْكَلَام والترجمة فِي السَّجْدَة فِي سُورَة النَّجْم، وَلَيْسَ من الْأَدَب أَن يُقَال: يُخَالف البُخَارِيّ مثل زيد بن ثَابت، كَذَا فِي التَّصْرِيح حَتَّى لَو سُئِلَ البُخَارِيّ: أَنْت تخَالف زيد بن ثَابت فِي قَوْله هَذَا؟ لَكَانَ يَقُول: زيد بن ثَابت ذهب إِلَى شَيْء لما ظهر عِنْده، وَأَنا ذهبت إِلَى شَيْء لما ظهر عِنْدِي، وَكَانَ يُرَاعِي الْأَدَب وَلَا يُصَرح بالمخالفة، وَأما متن حَدِيث مُسلم فَهَكَذَا: حَدثنَا يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة بن سعيد وَابْن حجر، قَالَ يحيى: أخبرنَا، وَقَالَ الْآخرُونَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، وَهُوَ ابْن جَعْفَر عَن يزِيد بن خصيفَة عَن ابْن قسيط عَن عَطاء بن يسَار أَنه أخبرهُ أَنه سَأَلَ زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْقِرَاءَة مَعَ الإِمَام، فَقَالَ: لَا قِرَاءَة مَعَ الإِمَام فِي شَيْء، وَزعم أَنه قَرَأَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والنجم إِذا هوى} فَلم يسْجد، فَفِي رِوَايَة مُسلم أجَاب زيد بن ثَابت عَمَّا سَأَلَهُ عَطاء بن يسَار، وَأفَاد بفائدة أُخْرَى زَائِدَة على مَا سَأَلَهُ، وَرِوَايَة البُخَارِيّ إِمَّا وَقعت مختصرة أَو كَانَ سُؤال عَطاء ابْتِدَاء عَن سَجْدَة النَّجْم، فَأجَاب عَن ذَلِك مُقْتَصرا عَلَيْهِ، وكلا الْوَجْهَيْنِ جائزان فَلَا يتَكَلَّف فِي تصرف الْكَلَام بالعسف. قَوْله:(فَزعم) ، هُوَ يُطلق على القَوْل الْمُحَقق وعَلى الْمَشْكُوك فِيهِ، وَالْأول هُوَ المُرَاد هُنَاكَ. قَوْله:(فَلم يسْجد فِيهَا) أَي: لم يسْجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَجْدَة النَّجْم.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: احْتج بِهِ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَأَبُو ثَوْر على: أَنه لَا يسْجد للتلاوة فِي آخر النَّجْم. وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَسَعِيد بن الْمسيب وَعِكْرِمَة وطاووس، ويحكى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وابي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن ذَلِك فَقَالَ: لَيْسَ فِي الحَدِيث دَلِيل على أَن لَا سُجُود فِيهَا لِأَنَّهُ قد يحْتَمل أَن يكون ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السُّجُود فِيهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ كَانَ على غير وضوء فَلم يسْجد لذَلِك، وَيحْتَمل أَن يكون تَركه لِأَنَّهُ كَانَ وقتا لَا يحل فِيهِ السُّجُود، وَيحْتَمل أَن يكون تَركه لِأَن الحكم عِنْده بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سجد وَإِن شَاءَ ترك، وَيحْتَمل أَن يكون تَركه لِأَنَّهُ لَا سُجُود فِيهَا، فَلَمَّا احْتمل تَركه السُّجُود هَذِه الِاحْتِمَالَات يحْتَاج إِلَى شَيْء آخر من الْأَحَادِيث نلتمس فِيهِ حكم هَذِه السُّورَة، هَل فِيهَا سُجُود أم لَا؟ فَوَجَدنَا فِيهَا حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود الَّذِي مضى فِيمَا قبل فِيهِ تَحْقِيق السُّجُود فِيهَا، فالأخذ بِهَذَا أولى، كَانَ تَركه فِي حَدِيث زيد لِمَعْنى من الْمعَانِي الَّتِي ذكرنَا. وَأجِيب أَيْضا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يسْجد على الْفَوْر، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون فِيهِ سَجْدَة، وَلَا فِيهِ نفي الْوُجُوب.
الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن المستمع لَا يسْجد إلاّ إِذا سجد القارىء لآيَة السَّجْدَة، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَإِلَيْهِ ذهب الْقفال. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد والبغداديون: يسْجد المستمع وَإِن لم يسْجد القارىء، وَبِه قَالَت الْمَالِكِيَّة، وَعند أَصْحَابنَا: يجب على القارىء وَالسَّامِع جَمِيعًا، وَلَا يسْقط عَن أَحدهمَا بترك الآخر.
الثَّالِث: اسْتدلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره على: أَن السَّامع لَا يسْجد مَا لم يكن مستمعا، قَالَ: وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ قَول الْمَالِكِيَّة والحنابلة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي (مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ) : لَا أؤكده عَلَيْهِ كَمَا أؤكده على المستمع، وَإِن سجد فَحسن، وَمذهب أبي حنيفَة: وُجُوبه على السَّامع والمستمع والقارىء، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: السَّجْدَة على من سَمعهَا. وَمن تعليقات البُخَارِيّ قَالَ عُثْمَان: إِنَّمَا السُّجُود على من اسْتمع.
٣٧٠١ - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبي إِيَاس قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي ذئْبٍ قَالَ حدَّثنا يَزُيدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ قُسَيْطٍ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ زَيْدٍ بنِ ثابِتٍ قَالَ قَرَأتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
(أنظر الحَدِيث ٢٧٠١) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث زيد بن ثَابت فَإِنَّهُ رَوَاهُ من طَرِيقين: الأول: عَن سُلَيْمَان عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن يزِيد بن خصيفَة عَن ابْن قسيط. الثَّانِي: هَذَا: عَن آدم بن أبي إِيَاس، واسْمه: عبد الرَّحْمَن من أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ذِئْب عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط، وَبَين متنيهما بعض تفَاوت على مَا لَا يخفى.