فَيكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منع من ثَلَاث وَمن يَوْمَيْنِ وَمن يَوْم أَو يَوْم وَلَيْلَة، وهوأقلها، وَقد يكون قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة ونوازل مُتَفَرِّقَة، فَحدث كل من سَمعهَا بِمَا بلغه مِنْهَا وَشَاهده، وَإِن حدث بهَا وَاحِد فَحدث بهَا مَرَّات على اخْتِلَاف مَا سَمعهَا، وبحسب اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات اخْتلف الْفُقَهَاء فِي تَقْصِير الْمُسَافِر وَأَقل السّفر. فَإِن قلت: حَدِيث الْبَاب الَّذِي رَوَاهُ عمر الَّذِي فِيهِ تعْيين ثَلَاثَة أَيَّام، وَأَنه مَمْنُوع إلاّ بِذِي محرم، وَقد رُوِيَ عَنهُ من قَوْله خلاف ذَلِك، قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا بكر بن مُضر عَن عَمْرو بن الْحَارِث (عَن بكير أَن نَافِعًا حَدثهُ أَنه: كَانَ يُسَافر مَعَ ابْن عمر مواليات لَهُ لَيْسَ مَعَهُنَّ ذُو محرم) . قلت: قد يجوز أَن يكون سفرهن بِغَيْر محرم هُوَ السفرالذي لم يدْخل فِيهَا نهي عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:(مواليات) ، بِضَم الْمِيم، أَي: نسَاء مواليات من الْمُوَالَاة، وَعقد الْمُوَالَاة أَن يسْلك رجل على يَد آخر فيواليه، فَيَقُول: أَنْت مولَايَ ترثني إِذا مت وتعقل عني إِذا جنيت، فَهَذَا عقد صَحِيح. وَكَذَا لَو أسلم على يَد رجل ووالى غَيره. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَت تُسَافِر بِغَيْر محرم، فَأخذ بِهِ جمَاعَة وجوزوا سفرها بِغَيْر محرم. قلت: كَانَ النَّاس لعَائِشَة محرما لِأَنَّهَا أم الْمُؤمنِينَ، فَمَعَ أَيهمْ سَافَرت فقد سَافَرت بِمحرم، وَلَيْسَ النَّاس لغَيْرهَا من النِّسَاء كَذَلِك، وَهَذَا الْجَواب من أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
٧٨٠١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تُسَافِرُ المَرْأةُ إلاّ معَ ذِي مَحْرَمٍ.
(أنظر الحَدِيث ٦٨٠١) .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عمر عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع إِلَى آخِره. قَوْله:(إِلَّا مَعهَا ذُو محرم) رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (إلاّ مَعَ ذِي محرم) ، وَالْمحرم، بِفَتْح الْمِيم: من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي سعيد عِنْد مُسلم وَأبي دَاوُد:(إلاّ وَمَعَهَا أَبوهَا وأخوها أَو زَوجهَا أَو ابْنهَا أَو ذُو محرم مِنْهَا) . وَاخْتلف فِي الْمحرم، فَيجوز لَهَا المسافرة مَعَ محرمها بِالنّسَبِ: كأبيها وأخيها وَابْن اختها وَابْن أَخِيهَا وخالها وعمها، وَمَعَ محرمها بِالرّضَاعِ كأخيها من الرَّضَاع وَابْن أَخِيهَا وَابْن اختها مِنْهُ، وَنَحْوهم، وَمَعَ محرمها من الْمُصَاهَرَة كَأبي زَوجهَا وَابْن زَوجهَا، وَلَا كَرَاهَة فِي شَيْء من ذَلِك إلاّ أَن مَالِكًا كره سفرها مَعَ ابْن زَوجهَا لفساد النَّاس بعد الْعَصْر الأول، وَكَذَلِكَ يجوز لهَؤُلَاء الْخلْوَة بهَا وَالنَّظَر إِلَيْهَا من غير حَاجَة، وَلَكِن لَا يحل النّظر بِشَهْوَة.
تابَعَهُ أحْمَدُ عنِ ابنِ المُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع عبيد الله أَحْمد حَيْثُ رَوَاهُ عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن عبيد الله الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، أَي: مَرْفُوعا نَحوه، وَذكر البُخَارِيّ مُتَابَعَته إِيَّاه دفعا لمن قَالَ: إِنَّه مَوْقُوف، وَفِي (علل الدَّارَقُطْنِيّ) قَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان: مَا أنْكرت على عبيد الله بن عمر إلاّ هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ: رَوَاهُ عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا. قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُسْنده) عَن ابْن نمير وَعَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله، فَذكره مَرْفُوعا، قَالَ: رَأَيْت حَاشِيَة بِخَط قديم جدا: هَذَا الحَدِيث غلط، غلط، فِيهِ عبيد الله عَن نَافِع، وَلم يُنكر عَلَيْهِ الْقطَّان غَيره. قَالَ: وَفِيه نظر لجلالة عبيد الله، وَلِأَن يحيى نَفسه رَوَاهُ عَنهُ فَلَو كَانَ مُنْكرا مَا رَوَاهُ عَنهُ وَإِذا رَوَاهُ عَنهُ فَلَا يحدث، ثمَّ قَالَ: وَقد وجدنَا لِعبيد الله مُتَابعًا على رَفعه، رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن مُحَمَّد بن رَافع: حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، فَذكره بِلَفْظ:(لَا يحل لأمرأة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر تُسَافِر مسيرَة ثَلَاث لَيَال إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم) . وَأما أَحْمد الْمَذْكُور فَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْمروزِي، يكنى أَبَا الْعَبَّاس، ويلقب بمردويه. قلت: هَكَذَا ذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَنه أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى مرْدَوَيْه، وَزعم الدَّارَقُطْنِيّ أَنه: أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت شبويه، وَقَالَ أَحْمد بن عدي: لَا يعرف. قيل: إِنَّه أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ لم يسمع عَن عبد الله بن الْمُبَارك.