(فرض الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ) (ح) وَفِي لفظ: (كَانَ أول مَا افْترض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب) ، وَسَنَده صَحِيح. وَعند الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر (عَن عَائِشَة، قَالَت: افْترض الله الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة زَاد إِلَى كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ صَلَاة الْغَدَاة) . وَقَالَ الدولابي: نزل إتْمَام صَلَاة الْمُقِيم فِي الظّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء إثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الآخر بعد مقدمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَهْر، وأقرت صَلَاة السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الْمُهلب: إلاّ الْمغرب فرضت وَحدهَا ثَلَاثًا، وَمَا عَداهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ الْأصيلِيّ: أول مَا فرضت الصَّلَاة أَرْبعا على هيئتها الْيَوْم، وَأنكر قَول من قَالَ: فرضت رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: لَا يقبل فِي هَذَا خبر الْآحَاد. وَأنكر حَدِيث عَائِشَة. وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَاهُ مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عِنْد جمَاعَة أهل النَّقْل، لَا يخْتَلف أهل الحَدِيث فِي صِحَة إِسْنَاده إلاّ أَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة،. وَلم يروه مَالك عَن ابْن شهَاب وَلَا عَن هِشَام إلاّ أَن شَيخا يُسمى مُحَمَّد بن يحيى بن عباد بن هانىء رَوَاهُ عَن مَالك وَابْن أخي الزُّهْرِيّ جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَهَذَا لَا يَصح عَن مَالك، وَالصَّحِيح فِي إِسْنَاده عَن مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) وطرقه عَن عَائِشَة متواترة، وَهُوَ عَنْهَا صَحِيح لَيْسَ فِي إِسْنَاده مقَال.
إلاّ أَن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى ظَاهره وعمومه وَمَا يُوجِبهُ لَفظه، فأوجبوا الْقصر فِي السّفر فرضا. وَقَالُوا: لَا يجوز لأحد أَن يُصَلِّي فِي السّفر إلاّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الرباعيات، وَحَدِيث عَائِشَة وَاضح فِي أَن الرَّكْعَتَيْنِ للْمُسَافِر فرض، لِأَن الْفَرْض الْوَاجِب لَا يجوز خِلَافه، وَلَا الزِّيَادَة عَلَيْهِ ألَا ترى أَن الْمُصَلِّي فِي الْحَضَر لَا يجوز لَهُ أَن يزِيد فِي صَلَاة من الْخمس، وَلَو زَاد لفسدت، فَكَذَلِك الْمُسَافِر لَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي فِي السّفر أَرْبعا، لِأَن فَرْضه فِيهِ رَكْعَتَانِ. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز، إِن صَحَّ عَنهُ. وَعنهُ: الصَّلَاة فِي السّفر رَكْعَتَانِ لَا يَصح غَيرهمَا، ذكره ابْن حزم محتجا بِهِ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَقَول بعض أَصْحَاب مَالك، وروى عَن مَالك أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، أَنه قَالَ: من أتم فِي السّفر أعَاد فِي الْوَقْت، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث عمر بن الْخطاب: (صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح، وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عِنْد مُسلم: (إِن الله فرض الصَّلَاة على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ) . وَفِي (التَّمْهِيد) من حَدِيث أبي قلَابَة: (عَن رجل من بني عَامر أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة) ، وَعَن أنس بن مَالك الْقشيرِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَعند ابْن حزم صَحِيحا عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ من ترك السّنة كفر) ، وَعَن ابْن عَبَّاس: من صلى فِي السّفر أَرْبعا كمن صلى فِي الْحَضَر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي (مُسْند السراج) بِسَنَد جيد: عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي يرفعهُ: (إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصّيام وَنصف الصَّلَاة) ، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَالثَّوْري، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِن قَامَ إِلَى الثَّالِثَة ألغاها وَسجد للسَّهْو. وَقَالَ الْحسن بن حَيّ: إِذا صلى أَرْبعا مُتَعَمدا أَعَادَهَا إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ الشَّيْء الْيَسِير، فَإِن طَال ذَلِك مِنْهُ وَكثر فِي سَفَره لم يعد، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: من صلى أَرْبعا عمدا بئس مَا صنع، وقضيت عَنهُ. ثمَّ قَالَ: لَا أَبَا لَك، أَتَرَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تركوها لِأَنَّهَا ثقلت عَلَيْهِم؟ وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: الرجل يُصَلِّي أَرْبعا فِي السّفر؟ قَالَ: لَا، مَا يُعجبنِي. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا قَول أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ الْخطابِيّ: الأولى الْقصر ليخرج من الْخلاف. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على مَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث دَلِيل صَرِيح للحنفية فِي وجوب الْقصر؟ قلت: لَا دلَالَة لَهُم فِيهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهِرَة لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن وَهُوَ: {أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} (النِّسَاء: ١٠١) . الصَّرِيح فِي أَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل زَائِدَة عَلَيْهِ، إِذْ الْقصر مَعْنَاهُ التنقيص، ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وبالصبح، وحجية الْعَام الْمُخَصّص مُخْتَلف فِيهَا، ثمَّ إِن راوية الحَدِيث عَائِشَة قد خَالَفت رِوَايَتهَا، وَإِذا خَالف الرَّاوِي رِوَايَته لَا يجب الْعَمَل بروايته عِنْدهم قلت: لَا نسلم أَنه لَا دلَالَة لنا فِيهِ لِأَنَّهُ ينبىء بِأَن صَلَاة الْمُسَافِر الَّتِي هِيَ الركعتان فرضت فِي الأَصْل هَكَذَا، وَالزِّيَادَة عَلَيْهِمَا طارئة، وَلم تَسْتَقِر الزِّيَادَة إلاّ فِي الْحَضَر، وَبقيت صَلَاة الْمُسَافِر فرضا على أَصْلهَا، وَهُوَ الركعتان، فَكَمَا لَا تجوز الزِّيَادَة فِي الْحَضَر بِالْإِجْمَاع، فَكَذَا الْمُسَافِر لَا تجوز لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute