فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْجَنَائِز، وَآخر علقه فِي الصّيام.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن سَواد وحرملة بن يحيى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ: قَوْله: (على رَاحِلَته) وَهِي: النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل، وَكَذَلِكَ الرحول، وَيُقَال: الرَّاحِلَة الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، قَالَه الْجَوْهَرِي. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرَّاحِلَة من الْإِبِل: الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة. قَوْله: (حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ) أَي: تَوَجَّهت الدَّابَّة، يَعْنِي: إِلَى قِبَلِ الْقبْلَة أَو غَيرهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، لَا نعلم بَينهم اخْتِلَافا، لَا يرَوْنَ بَأْسا أَن يُصَلِّي الرجل على رَاحِلَته تَطَوّعا حَيْثُ مَا كَانَ وَجهه إِلَى الْقبْلَة أَو غَيرهَا قلت: هَذَا بِالْإِجْمَاع فِي السّفر، وَاخْتلفُوا فِي الْحَضَر: فجوزه أَبُو يُوسُف وَأَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي من الشَّافِعِيَّة وَأهل الظَّاهِر، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: يجوز التَّنَفُّل على الدَّابَّة فِي الْحَضَر لَكِن مَعَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة، وَفِي وَجه آخر: يجوز للراكب دون الْمَاشِي، وَاسْتدلَّ أَبُو يُوسُف وَمن ذكرنَا مَعَه من جَوَاز التَّنَفُّل على الدَّابَّة فِي الْحَضَر بِعُمُوم حَدِيث الْبَاب، لِأَنَّهُ لم يُصَرح فِيهِ بِذكر السّفر، وَمنع أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد من ذَلِك فِي الْحَضَر، واحتجا على ذَلِك بِحَدِيث ابْن عمر الْآتِي فِي: بَاب الْإِيمَاء على الدَّابَّة، عقيب هَذَا الْبَاب، لِأَن السّفر فِيهِ مَذْكُور، وَفِي إِحْدَى رِوَايَات مُسلم: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة على رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه) .
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: أَنه يجوز ذَلِك للراكب دون الْمَاشِي، لِأَن ذَلِك رخصَة، والرخص لَا يُقَاس عَلَيْهَا، وَجزم أَصْحَاب الشَّافِعِي ترخيص الْمَاشِي فِي السّفر بالتنفل إِلَى جِهَة مقْصده إلاّ أَن مَذْهَبهم اشْتِرَاط اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي تحرمه وَعند الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَيشْتَرط كَونهمَا على الأَرْض، وَلَا يشْتَرط استقباله فِي السَّلَام على الْأَصَح. وَمِمَّا يستنبط من قَوْله: (على الرَّاحِلَة) : أَن رَاكب السَّفِينَة لَيْسَ كراكب الدَّابَّة لتمكنه من الِاسْتِقْبَال، وَسَوَاء كَانَت السَّفِينَة واقفة أَو سائرة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: يجوز للملاح، وَحَكَاهُ عَن صَاحب (الْعدة) وَزَاد النَّوَوِيّ فِي (زيادات الرَّوْضَة) وَفِي (شرح الْمُهَذّب) حكايته عَن الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره، وَفِي (التَّحْقِيق) للنووي: الْجَوَاز للملاح فِي حَال تسييرها. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْمُعْتَبر توجه الرَّاكِب إِلَى جِهَة مقْصده لَا توجه الدَّابَّة حَتَّى لَو كَانَت الدَّابَّة متوجهة إِلَى جِهَة مقْصده وركبها هُوَ مُعْتَرضًا أَو مقلوبا، فَإِنَّهُ لَا يَصح إِلَّا أَن يكون مَا استقبله هُوَ جِهَة الْقبْلَة، فَيصح على الصَّحِيح. وَقيل: لَا يَصح لِأَن قبلته جِهَة مقْصده.
٤٩٠١ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيى عنْ محَمَّدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ جابِرَ ابنَ عَبْدِ الله أخْبَرَه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ القِبْلَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: لأوّل: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ. الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير، وَقد مر غير مرّة. الرَّابِع: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: العامري الْمدنِي. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيبَان كُوفِي سكن الْبَصْرَة وَيحيى يماني. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي تَقْصِير الصَّلَاة عَن معَاذ بن فضَالة.
قَوْله: (وَهُوَ رَاكب) وَفِي الرِّوَايَة الْآتِيَة: (على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق) ، وَزَاد (وَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة) ، وَبَين فِي الْمَغَازِي من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة عَن جَابر، أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة أَنْمَار، وَكَانَت أَرضهم قبل الْمشرق لمن يخرج من الْمَدِينَة، فَتكون الْقبْلَة على سَائِر الْمَقَاصِد إِلَيْهِم. وروى التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود ابْن غيلَان: حَدثنَا وَكِيع وَيحيى بن آدم، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي الزبير (عَن جَابر: قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة فَجئْت وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق، السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع) . وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة ابْن أبي