للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِحْدَاهمَا، وَالثَّانِي: أَن الْجمع رخصَة، فَلَو كَانَ على مَا ذَكرُوهُ لَكَانَ أَشد ضيقا وَأعظم حرجا من الْإِتْيَان بِكُل صَلَاة فِي وَقتهَا، قَالَ: وَلَو كَانَ الْجمع هَكَذَا لجَاز الْجمع بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وَبَين الْعشَاء وَالصُّبْح. قَالَ: وَلَا خلاف بَين الْأمة فِي تَحْرِيم ذَلِك. قَالَ: وَالْعَمَل بالْخبر على الْوَجْه السَّابِق مِنْهُ إِلَى الْفَهم أولى من هَذَا التَّكَلُّف الَّذِي يصان كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من حمله عَلَيْهِ. قلت: سلمنَا أَن الْجمع رخصَة، وَلَكِن حملناه على الْجمع الصُّورِي حَتَّى لَا يُعَارض الْخَبَر الْوَاحِد الْآيَة القطعية، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على الصَّلَوَات} (الْبَقَرَة: ٨٣٢) . أَي: أدوها فِي أَوْقَاتهَا، وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} (النِّسَاء: ٣٠١) . أَي: فرضا موقوتا، وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الْعَمَل بِالْآيَةِ وَالْخَبَر، وَمَا قَالُوهُ يُؤَدِّي إِلَى ترك الْعَمَل بِالْآيَةِ ويلزمهم على مَا قَالُوا من الْجمع الْمَعْنَوِيّ رخصَة أَن يجمعوا لعذر الْمَطَر أَو الْخَوْف فِي الْحَضَر، وَمَعَ هَذَا لم يجوزوا ذَلِك، وَأولُوا حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا مطر) ، الحَدِيث، بتأويلات مَرْدُودَة، وَفِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ الْعَمَل بِالْكتاب، وَبِكُل حَدِيث جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب من غير حَاجَة إِلَى تأويلات، وَأما قَول الْخطابِيّ: لِأَن أَوَائِل الْأَوْقَات. . إِلَى آخِره، غير مُسلم، لِأَن الصَّلَاة من أعظم أُمُور الدّين فالمسلم الْكَامِل كَيفَ يخفى عَلَيْهِ أُمُور مَا يتَعَلَّق بأعظم أُمُور دينه؟ وَيرد على ابْن قدامَة أَيْضا بِمَا ذكرنَا، وَقِيَاسه على الْجمع بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وَبَين الْعشَاء وَالصُّبْح بَاطِل لَا وَجه لَهُ أصلا لعدم وجود الْمُلَازمَة، وَلَيْسَ فِيمَا قُلْنَا ترك صون كَلَام الرَّسُول، بل فِيمَا قُلْنَا صون كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل مَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وللتوفيق بَين الْأَحَادِيث الَّتِي ظَاهرهَا يتعارض، فَافْهَم.

٧٠١١ - وقالَ إبْرَاهِيمُ بنُ طهْمَانَ عنِ الحُسَيْنِ المُعَلِّمِ عنْ يَحْيى بنِ أبِي كَثِيرٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظهْرِ والعَصْرِ إذَا كانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ ويَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.

هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الْحَافِظ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس حَدثنَا أَحْمد بن حَفْص بن رَاشد حَدثنِي أبي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن الْمعلم، فَذكره قَوْله: (الْمعلم) ، صفة للحسين ابْن ذكْوَان العودي من أهل الْبَصْرَة، مر فِي آخر كتاب الْغسْل، والمعلم بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التَّعْلِيم. قَوْله: (على ظهر سير) بِإِضَافَة: ظهر، إِلَى: سير، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَفظ: (ظهر) مقحم كَمَا فِي قَوْله: (الصَّدَقَة عَن ظهر غنى) ، وَالظّهْر قد يُزَاد فِي مثله إشباعا للْكَلَام وتوكيدا كَأَن سيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَند إِلَى ظهر قوي من الرَّاحِلَة وَنَحْوهَا، وَقيل: جعل للسير ظهر لِأَن الرَّاكِب مَا دَامَ سائرا فَكَأَنَّهُ رَاكب ظهر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (على ظهر يسيرُ) ، فَظهر بِالتَّنْوِينِ، ويسير بِلَفْظ الْمُضَارع، من: سَار يسير سيرا، وَالْمرَاد من الظّهْر المركوب، وعَلى هَذَا الْوَجْه أَن يكون مَحل: يسير، نصبا على الْحَال.

٨٠١١ - وعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيى بنِ أبِي كَثِيرٍ عنْ حَفْصِ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ المَغْرِبِ والعِشَاءِ فِي السَّفَرِ.

(الحَدِيث ٨٠١١ طرفه فِي: ٠١١١) .

يجوز أَن يكون هَذَا عطفا على مَا قبله، وَالتَّقْدِير: وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن عَن يحيى، وَيجوز أَن يكون تَعْلِيقا عَن حُسَيْن لَا بِكَوْنِهِ من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَنهُ، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه (مَجْمُوع حَدِيث يحيى بن أبي كثير) : أخبرنَا أَبُو يعلى الْموصِلِي حَدثنَا أَبُو معمر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْهُذلِيّ حَدثنَا عبد الله بن معَاذ عَن معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن حَفْص ابْن عبد الله (عَن أنس: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء فِي السّفر) .

وتابَعَهُ عَلِيُّ بنُ المُبَارِكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عنْ حَفصٍ عنْ أنَسٍ جَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>