خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هم جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم. قَوْله: (فَمن كَانَ) كلمة من، مَوْصُولَة متضمنة معنى الشَّرْط فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، و: (أَخُوهُ) مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ، وَقَوله: (تَحت يَده) مَنْصُوب على أَنه خَبره، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول. وَقَوله: (فليطعمه) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْفَاء لتَضَمّنه معنى الشَّرْط، وَأما الْفَاء الَّتِي فِي: فَمن، فَإِنَّهَا عاطفة على مُقَدّر، تَقْدِيره: وَأَنْتُم مالكون إيَّاهُم، فَمن كَانَ إِلَى آخِره، وَيجوز أَن تكون سَبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} (الْحَج: ٦٣) قَوْله: (مِمَّا يَأْكُل) يجوز أَن تكون مَا، مَوْصُولَة، والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره: من الَّذِي يَأْكُلهُ، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي من أكله. قَوْله: (وليلبسه) عطف على: (فليطعمه) وإعراب (مِمَّا يلبس) مثل إِعْرَاب (مِمَّا يَأْكُل) . قَوْله: (وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ) جملَة ناهية من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول. وَقَوله: (مَا يَغْلِبهُمْ) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة، ويغلبهم، صلتها. قَوْله: (فَأَعِينُوهُمْ) ، جَوَاب الشَّرْط فَلذَلِك دخلت الْفَاء.
بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان: فِيهِ ثَلَاثَة أَحْوَال مُتَوَالِيَة. وَهِي قَوْله: (بالربذة) و: (عَلَيْهِ حلَّة) و (على غُلَامه حلَّة) فَإِن قلت: الْحَال مَا بَين هَيْئَة الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَبَيَان هَيْئَة الْمَفْعُول فِي الْحَالين الْأَوَّلين ظَاهر، وَأما مَا فِي الْحَال الْأَخِيرَة وَهِي قَوْله (وعَلى غُلَامه حلَّة) فَغير ظَاهر. قلت: هَذَا نَظِير قَوْلك جِئْت مَاشِيا وَزيد متكىء إِذْ الْمَعْنى: جِئْت فِي حَال مشي، وَحَال اتكاء زيد، فَكَذَلِك التَّقْدِير هَهُنَا: لقِيت أَبَا ذَر فِي حَال كَونه بالربذة، وَحَال كَون غُلَامه فِي حلَّة. وَاسم هَذَا الْغُلَام لم يبين فِي رِوَايَات هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون أَبَا مراوح، مولى أبي ذَر، وَحَدِيثه عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. قلت: هَذَا خدش، وبالاحتمال لَا تثبت الْحَقِيقَة. فَإِن قلت: قد اخْتلفت أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فِي الْحلَّة، فاللفظ الْوَاقِع هُنَا: عَلَيْهِ حلَّة وعَلى غُلَامه حلَّة، وَعند البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب فِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن الْمَعْرُور بِلَفْظ: (رَأَيْت عَلَيْهِ بردا وعَلى غُلَامه بردا فَقلت: لَو أخذت هَذَا فلبسته كَانَت حلَّة) . وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَر لَو جمعت بَينهمَا كَانَت حلَّة) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَقَالَ الْقَوْم: يَا أَبَا ذَر لَو أخذت الَّذِي على غلامك فَجَعَلته مَعَ الَّذِي عَلَيْك لكَانَتْ حلَّة) . وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة: (أتيت أَبَا ذَر فَإِذا حلَّة، عَلَيْهِ مِنْهَا ثوب، وعَلى عَبده، مِنْهَا ثوب) . وَقد بَينا أَن الْحلَّة ثَوْبَان من جنس وَاحِد، فَكيف التَّوْفِيق بَين هَذِه الْأَلْفَاظ؟ فَإِن لَفظه هَهُنَا يدل على الحلتين: حلَّة على أبي ذَر وحلة على عَبده، وَلَفظه فِي رِوَايَة الْأَعْمَش يدل على أَن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هُوَ الْبرد وعَلى غُلَامه كَذَلِك، وَلَا يُسمى هَذَا حلَّة إِلَّا بِالْجمعِ بَينهمَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَة مُسلم: (لَو جمعت بَينهمَا كَانَت حلَّة) . وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَرِوَايَة الاسماعيلي تدل على أَنَّهَا كَانَت حلَّة وَاحِدَة بِاعْتِبَار جمع مَا كَانَ على أبي ذَر وعَلى عَبده من الثَّوْبَيْنِ. قلت: تحمل رِوَايَته هَهُنَا على الْمجَاز بِاعْتِبَار مَا يؤول، وَيضم إِلَى الثَّوْب الَّذِي كَانَ على كل وَاحِد مِنْهُمَا ثوب آخر، أَو بِاعْتِبَار إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء، فَلَمَّا رأى الْمَعْرُور على أبي ذَر ثوبا وعَلى غُلَامه ثوبا من الأبراد، كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْأَدَب، أطلق على كل وَاحِد مِنْهُمَا حلَّة بِاعْتِبَار مَا يؤول، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم: (لَو جمعت بَينهمَا كَانَت حلَّة) . وَكَذَا رِوَايَة أبي دَاوُد. وَأما رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِنَّهَا أَيْضا مجَاز، وَلَكِن الْمجَاز فِيهَا فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي هَهُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فَافْهَم. هَذَا هُوَ الَّذِي فتح لي هَهُنَا من الْأَنْوَار الإلهية. وَقَالَ بَعضهم: يُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ برد جيد تَحت ثوب خلق من جنسه، وعَلى غُلَامه كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ قيل لَهُ: لَو أخذت الْبرد الْجيد فأضفته إِلَى الْبرد الْجيد الَّذِي عَلَيْك، وَأعْطيت الْغُلَام الْبرد الْخلق بدله لكَانَتْ حلَّة جَيِّدَة، فتلتئم بذلك الرِّوَايَتَانِ، وَيحمل قَوْله فِي حَدِيث الْأَعْمَش: (لكَانَتْ حلَّة) أَي: كَامِلَة الْجَوْدَة، فالتنكير فِيهِ للتعظيم. قلت: لَيْسَ الْجمع إِلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذكرته، وَمَا ذكره لَيْسَ بِجمع، فَإِنَّهُ نَص فِي الرِّوَايَة الَّتِي هَهُنَا على حلتين، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ على حلَّة وَاحِدَة، وبالتأويل الَّذِي ذكره يؤول الْمَعْنى إِلَى أَن يكون عَلَيْهِ حلَّة وعَلى غُلَامه حلَّة باجتماع الجديدين عَلَيْهِ والخلقين على غُلَامه فيعارض هَذَا رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَإِنَّهَا تدل على أَنَّهَا كَانَت حلَّة وَاحِدَة، وَكَانَت عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَقَوله: وَيحْتَمل قَوْله فِي حَدِيث الْأَعْمَش إِلَى آخر كَلَام صادر من غير تروٍّ وَتَأمل لِأَنَّهُ لَا يفرق بَينه وَبَين رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمَعْنى، والتنكير فِيهِ لَيْسَ للتعظيم، وَإِنَّمَا هُوَ للإيراد أَي: لَا يُرَاد فَرد وَاحِد. فَافْهَم. قَوْله: (فَسَأَلته عَن ذَلِك) أَي: عَن تساويهما فِي لبس الْحلَّة، فَإِن قلت: لم سَأَلَهُ عَن ذَلِك وَمَا الْفَائِدَة فِيهِ؟ قلت: لِأَن عَادَة الْعَرَب وَغَيرهم أَن يكون ثِيَاب الْمَمْلُوك دون سَيّده، وَالَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute