للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصُّبْح ثمَّ يَعْلُو، عز وَجل، على كرسيه) ، وَفِي إِسْنَاده فُضَيْل بن سُلَيْمَان النميري، وَهُوَ وَإِن أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين لَيْسَ بِثِقَة.

وَأما حَدِيث عقبَة بن عَامر فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَنهُ، قَالَ: (أَقبلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِذا مضى ثلث اللَّيْل، أَو قَالَ نصف اللَّيْل، ينزل الله عز وَجل، إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: لَا أسأَل عَن عبَادي أحدا غَيْرِي) ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَفِيه نظر.

وَأما حَدِيث عَمْرو بن عَنْبَسَة فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي (كتاب السّنة) من رِوَايَة جرير بن عُثْمَان، قَالَ: حَدثنَا سليم بن عَامر بن عَمْرو بن عَنْبَسَة، قَالَ: (أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله. .) الحَدِيث، وَفِيه: (إِن الرب، عز وَجل، يتدلى من جَوف اللَّيْل) ، زَاد فِي رِوَايَة الآخر: (فَيغْفر إلاّ مَا كَانَ من الشّرك) ، زَاد فِي رِوَايَة: (وَالْبَغي وَالصَّلَاة مَشْهُودَة حَتَّى تطلع الشَّمْس) .

وَأما حَدِيث أبي الْخطاب فَرَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي (كتاب السّنة) بِإِسْنَادِهِ (عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ أَبُو الْخطاب، أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوتر، فَقَالَ: أحب إِلَيّ أَن أوتر نصف اللَّيْل، إِن الله يهْبط من السَّمَاء الْعليا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: هَل من مذنب؟ هَل من مُسْتَغْفِر؟ هَل من دَاع؟ حَتَّى إِذا طلع الْفجْر ارْتَفع) . قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَابْن عبد الْبر أَبُو الْخطاب، لَهُ صُحْبَة وَلَا يعرف اسْمه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ينزل) ، بِفَتْح الْيَاء، فعل مضارع: وَالله، مَرْفُوع بِهِ. وَقَالَ ابْن فورك: ضبط لنا بعض أهل النَّقْل هَذَا الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضَم الْيَاء من: ينزل، يَعْنِي: من الْإِنْزَال. وَذكر أَنه ضبط عَمَّن سمع مِنْهُ من الثِّقَات الضابطين. وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ: قد قَيده بعض النَّاس بذلك فَيكون معدى إِلَى مفعول مَحْذُوف، أَي: ينزل الله ملكا. قَالَ: وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله، عز وَجل، يُمْهل حَتَّى يمْضِي شطر اللَّيْل الأول ثمَّ يَأْمر مناديا يَقُول: هَل من دَاع فيستجاب لَهُ. .؟) الحَدِيث، وَصَححهُ عبد الْحق وَحمل صَاحب (الْمُفْهم) الحَدِيث على النُّزُول الْمَعْنَوِيّ على رِوَايَة مَالك عَنهُ عِنْد مُسلم، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: (يتنزل رَبنَا) ، بِزِيَادَة: تَاء، بعد: يَاء المضارعة، فَقَالَ: كَذَا صحت الرِّوَايَة هُنَا، وَهِي ظَاهِرَة فِي النُّزُول الْمَعْنَوِيّ وإليها يرد (ينزل) ، على أحد التأويلات، وَمعنى ذَلِك أَن مُقْتَضى عَظمَة الله وجلاله واستغنائه أَن لَا يعبأ بحقير ذليل فَقير، لَكِن ينزل بِمُقْتَضى كرمه ولطفه لِأَن يَقُول: من يقْرض غير عدوم وَلَا ظلوم، وَيكون قَوْله: (إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا) ، عبارَة عَن الْحَالة الْقَرِيبَة إِلَيْنَا، وَالدُّنْيَا بِمَعْنى: الْقُرْبَى، وَالله أعلم.

ثمَّ الْكَلَام هُنَا على أَنْوَاع. الأول: احْتج بِهِ قوم على إِثْبَات الْجِهَة لله تَعَالَى، وَقَالُوا: هِيَ جِهَة الْعُلُوّ، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: ابْن قُتَيْبَة وَابْن عبد الْبر، وَحكي أَيْضا عَن أبي مُحَمَّد بن أبي زيد القيرواني، وَأنكر ذَلِك جُمْهُور الْعلمَاء لِأَن القَوْل بالجهة يُؤَدِّي إِلَى تحيز وإحاطة، وَقد تَعَالَى الله عَن ذَلِك.

الثَّانِي: أَن الْمُعْتَزلَة أَو أَكْثَرهم: كجهم بن صَفْوَان وَإِبْرَاهِيم بن صَالح وَمَنْصُور بن طَلْحَة والخوارج، أَنْكَرُوا صِحَة تِلْكَ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ مُكَابَرَة، وَالْعجب أَنهم أولُوا مَا ورد من ذَلِك فِي الْقُرْآن وأنكروا مَا ورد فِي الحَدِيث إِمَّا جعلا وَإِمَّا عنادا. وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) : عَن مُوسَى بن دَاوُد، قَالَ: قَالَ لي عباد ابْن عوام، قدم علينا شريك بن عبد الله مُنْذُ نَحْو من خمسين سنة، قَالَ: فَقل: يَا أَبَا عبد الله إِن عندنَا قوما من الْمُعْتَزلَة يُنكرُونَ هَذِه الْأَحَادِيث؟ قَالَ: فَحَدثني نَحْو عشرَة أَحَادِيث فِي هَذَا، وَقَالَ: أما نَحن فقد أَخذنَا ديننَا هَذَا عَن التَّابِعين عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم عَمَّن أخذُوا؟ وَقد وَقع بَين إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَبَين إِبْرَاهِيم بن صَالح المعتزلي، وَبَينه وَبَين مَنْصُور بن طَلْحَة أَيْضا مِنْهُم كَلَام، بعضه عِنْد عبد الله بن طَاهِر بن عبد الله المعتزلي، وَبَعضه عِنْد أَبِيه طَاهِر بن عبد الله. قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: جمعني وَهَذَا المبتدع، يَعْنِي إِبْرَاهِيم بن صَالح، مجْلِس الْأَمِير عبد الله بن طَاهِر، فَسَأَلَنِي الْأَمِير عَن أَخْبَار النُّزُول فسردتها، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: كفرت بِرَبّ ينزل من سَمَاء إِلَى سَمَاء. فَقلت: آمَنت بِرَبّ يفعل مَا يَشَاء. قَالَ: فَرضِي عبد الله كَلَامي وَأنكر عَليّ آبراهيم، وَقد أَخذ إِسْحَاق كَلَامه هَذَا من الفضيل بن عِيَاض، رَحمَه الله، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا قَالَ الجهمي: أَنا أكفر بِرَبّ ينزل ويصعد، فَقلت: آمَنت بِرَبّ يفعل مَا يَشَاء، ذكره أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي (كتاب السّنة) ذكر فِيهِ: عَن أبي زرْعَة، قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث المتواترة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ينزل كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، قد رَوَاهُ عدَّة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي عندنَا صِحَاح قَوِيَّة. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ينزل) وَلم يقل: كَيفَ ينزل، فَلَا نقُول: كَيفَ ينزل؟ نقُول، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الْمُزنِيّ يَقُول:

<<  <  ج: ص:  >  >>