وطمعهم فِي رَحمته. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {تَتَجَافَى جنُوبهم} (السَّجْدَة: ٦١) . لذكر الله كلما استيقظوا ذكرُوا الله إِمَّا فِي الصَّلَاة وَإِمَّا فِي قيام أَو قعُود وعَلى جنُوبهم فهم لَا يزالون يذكرُونَ الله، وَعَن مَالك بن دِينَار: سَأَلت أنسا عَن قَوْله تَعَالَى: {تَتَجَافَى جنُوبهم} (السَّجْدَة:) . فَقَالَ أنس: كَانَ أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلونَ من صَلَاة الْمغرب إِلَى صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة، فَأنْزل الله تَعَالَى {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} (السَّجْدَة: ٦١) . وَعَن أبي الدَّرْدَاء وَالضَّحَّاك أَنَّهَا صَلَاة الْعشَاء وَالصُّبْح فِي جمَاعَة. قَوْله: {يُنْفقُونَ} (السَّجْدَة: ٦١) . أَي: يتصدقون، وَقيل: يزكون.
تابَعَهُ عُقَيْلٌ
أَي: تَابع يُونُس عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب: عَن الْهَيْثَم، وَرِوَايَة عقيل هَذِه أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من طَرِيق سَلامَة بن روح عَن عَمه عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب، فَذكر مثل رِوَايَة يُونُس.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبرنِي الزُّهْرِيُّ عنْ سَعِيدٍ وَالأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الدَّال الْمُهْملَة: هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد الْحِمصِي. وَالزهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم. وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب. والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى أَن فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور اخْتِلَافا عَن الزُّهْرِيّ فَإِن يُونُس وعقيلاً اتفقَا على أَن شيخ الزُّهْرِيّ فِيهِ هُوَ الْهَيْثَم ابْن أبي سِنَان وَخَالَفَهُمَا الزبيدِيّ حَيْثُ جعل شيخ الزُّهْرِيّ فِيهِ سعيد بن الْمسيب وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، فَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ، لِأَن كلهم حفاظ ثِقَات، وَلَكِن الطَّرِيق الأول أرجح لمتابعة عقيل ليونس، بِخِلَاف طَرِيق الزبيدِيّ.
قَوْله: (وَقَالَ الزبيدِيّ) مُعَلّق، وَصله البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) أَيْضا من طَرِيق عبد الله بن سَالم الْحِمصِي عَنهُ، وَلَفظه (أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول فِي قصصه: إِن أَخَاكُم كَانَ يَقُول شعرًا لَيْسَ بالرفث، وَهُوَ عبد الله بن رَوَاحَة. .) فَذكر الأبيات، قَالَ بَعضهم: هُوَ يبين أَن قَوْله فِي الرِّوَايَة الأولى من كَلَام أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا بِخِلَاف مَا جزم بِهِ ابْن بطال. قلت: يحْتَمل أَن أَبَا هُرَيْرَة لما كَانَ فِي أثْنَاء وعظه أجْرى ذكر مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مدح عبد الله بن رَوَاحَة، وَلكنه طوى إِسْنَاده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَثِيرًا مَا كَانَت الصَّحَابَة يَفْعَلُونَ هَكَذَا، فَمثل هَذَا، وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فِي الصُّورَة، فَفِي الْحَقِيقَة هُوَ مَوْصُول.
٦٥١١ - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَأيْتُ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إسْتَبْرَقٍ فكأنِّي لَا أرِيدِ مَكانا مِنَ الجَنَّةِ إلَاّ طارَتْ إلَيْهِ وَرَأيْتُ كأنَّ اثنَيْنِ أتَيَانِي أرَادَا أنْ يَذْهَبَا بِي إلَى النَّارَ فتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فقالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ. فقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحْدَى رُؤْيَايَ فَقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله لَوْ كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. وكانُ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي من اللَّيْل لَا يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤيَا أنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ فَقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَى رُؤيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَتْ فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَكَانَ عبد الله يُصَلِّي من اللَّيْل) ، وَكَانَت صلَاته غَالِبا بعد أَن تعار من اللَّيْل، فَهَذَا عين التَّرْجَمَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّعْبِير عَن مُعلى بن أَسد عَن وهيب. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن خلف بن هِشَام وَأبي الرّبيع الزهْرَانِي وَأبي كَامِل الجحدري، ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بن علية. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن أَحْمد بن عبد الله وَعَن الْحَارِث بن عُمَيْر، أربعتهم عَنهُ بِهِ.