ذَا قدرَة وَقُوَّة. وَقَالَ: وَذكر الْأَشْعَرِيّ أَن الْقُدْرَة وَالْقُوَّة والاستطاعة اسْم، وَلَا يجوز أَن يُوصف بِأَنَّهُ مستطيع لعدم التَّوْقِيف بذلك، وَإِن كَانَ قد جَاءَ الْقُرْآن بالاستطاعة فَقَالَ:{هَل يَسْتَطِيع رَبك}(الْمَائِدَة: ٢١١) . وَإِنَّمَا هُوَ خبر عَنْهُم، وَلَا يَقْتَضِي إِثْبَات صفة لَهُ. وَفِيه: تَصْرِيح بعقيدة أهل السّنة، فَإِنَّهُ نفى الْعلم عَن العَبْد وَالْقُدْرَة، وهما موجودان، وَذَلِكَ تنَاقض فِي بادىء الرَّأْي، وَالْحق فِيهِ الِاعْتِرَاف بِأَن الْعلم لله تَعَالَى، وَالْقُدْرَة لَهُ، وَلَيْسَ للْعَبد من ذَلِك شَيْء إلَاّ مَا خلق لَهُ، يَقُول: يَا رب تقدر قبل أَن تخلق فِي الْقُدْرَة، وتقدر مَعَ خلقهَا، وتقدر بعْدهَا، وَأَنت على الْحَقِيقَة فِي الْأُمُور كلهَا تصرف، وَتحل لمقدوراتك، وَكَذَلِكَ فِي الْعلم. وَفِيه: أَنه يجب على الْمُؤمن رد الْأُمُور كلهَا إِلَى الله تَعَالَى وَصرف أزمتها والتبرء من الْحول وَالْقُوَّة إِلَيْهِ وَأَن لَا يروم شَيْئا من دَقِيق الْأُمُور وَلَا جليلها حَتَّى يسْأَل الله فِيهِ، ويسأله أَن يحملهُ فِيهِ على الْخَيْر، وَيصرف عَنهُ الشَّرّ إذعانا بالافتقار إِلَيْهِ فِي كل أمره، والتزاما لذاته بالعبودية لَهُ، وتبركا لاتباع سنة سيد الْمُرْسلين فِي الاستخارة، وَرُبمَا قدر مَا هُوَ خير وَيَرَاهُ شرا نَحْو قَوْله تَعَالَى:{وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم}(الْبَقَرَة: ٦١٢) . وَفِيه فِي قَوْله:(وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي) حجَّة على الْقَدَرِيَّة الَّذين زَعَمُوا أَن الله لَا يخلق الشَّرّ تَعَالَى الله عَمَّا يفترون، فقد بَان فِي هَذَا الحَدِيث أَن الله تَعَالَى هُوَ الْمَالِك للشر والخالق لَهُ، وَهُوَ الْمَدْعُو لصرفه عَن العَبْد من نَفسه، وَمَا يقدر على اختراعه دون أَن يقدر الله عَلَيْهِ؟ فَإِن قلت: هَل يسْتَحبّ تكْرَار الاستخارة فِي الْأَمر الْوَاحِد إِذا لم يظْهر لَهُ وَجه الصَّوَاب فِي الْفِعْل أَو التّرْك مَا لم ينشرح صَدره لما يفعل؟ قلت: بلَى يسْتَحبّ تكْرَار الصَّلَاة وَالدُّعَاء لذَلِك، وَقد ورد فِي حَدِيث تكْرَار الاستخارة سبعا فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة لِابْنِ السّني من رِوَايَة إِبْرَاهِيم ابْن الْبَراء، قَالَ:(حَدثنِي أبي عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أنس إِذا هَمَمْت بِأَمْر فاستخر رَبك فِيهِ سبع مَرَّات ثمَّ انْظُر إِلَى الَّذِي يسْبق إِلَى قَلْبك، فَإِن الْخَيْر فِيهِ) . قَالَ النَّوَوِيّ: فِي (الْأَذْكَار) : إِسْنَاده غَرِيب، وَفِيه من لَا أعرفهم، قَالَ شَيخنَا زين الدّين: كلهم معروفون، وَلَكِن بَعضهم مَعْرُوف بالضعف الشَّديد وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن الْبَراء، والبراء هُوَ ابْن النَّضر ابْن أنس بن مَالك، وَقد ذكره فِي (الضُّعَفَاء) الْعقيلِيّ وَابْن حبَان وَابْن عدي والأزدي. قَالَ الْعقيلِيّ: يحدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل. وَقَالَ ابْن حبَان: شيخ كَانَ يَدُور بِالشَّام يحدث عَن الثِّقَات بالموضوعات: لَا يجوز ذكره إلَاّ على مثل الْقدح فِيهِ. وَقَالَ ابْن عدي: ضَعِيف جدا، حدث بِالْبَوَاطِيل، فعلى هَذَا فَالْحَدِيث سَاقِط لَا حجَّة فِيهِ، نعم، قد يسْتَدلّ للتكرار بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه يسْتَحبّ أَن يقْرَأ فِي رَكْعَتي الإستخارة فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَة: قل هُوَ الله أحد، وَقد سبقه إِلَى ذَلِك الْغَزالِيّ، فَإِنَّهُ ذكره فِي الْإِحْيَاء كَمَا ذكره النَّوَوِيّ: وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: لم أجد فِي شَيْء من طرق أَحَادِيث الاستخارة تعْيين مَا يقْرَأ فيهمَا.
٣٦١١ - حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبْدِ الله بنِ سَعِيدٍ عنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ سَمِعَ أبَا قَتَادَةَ بنَ رَبْعِيٍّ الأنْصَارِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
(أنظر الحَدِيث ٤٤٤) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله:(حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) ، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا دخل الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير: عَن عَمْرو بن سليم الزرقي عَن أبي قَتَادَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:(إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس) . فَانْظُر إِلَى التَّفَاوُت بَينهمَا فِي الْمَتْن والإسناد، والمكي بن إِبْرَاهِيم بن بشر بن فرقد البرجمي التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، تقدم فِي: بَاب إِثْم من كذب على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد الْمَدِينِيّ، مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن سليم، بِضَم السِّين وَفتح اللَّام: الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وبالقاف، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنسبة.
٤٦١١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي