للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يسْتَحق النَّار لكَونه ظَالِما! فَمَا بَال الْمَقْتُول وَهُوَ مظلوم؟ وَنَظِيره: هَذَا زيد عَالم، وَقد علم أَن الْمُبْتَدَأ إِذا اتَّحد بالْخبر لَا يحْتَاج إِلَى ضمير، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} (الْأَعْرَاف: ٢٦) وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: (أفضل مَا قلت، أَنا والنبيون من قبلي: لَا إِلَه إِلَّا الله) .

بَيَان الْمعَانِي وَالْأَحْكَام: قَوْله: (انصر هَذَا الرجل) يَعْنِي: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ يَعْنِي: عليا، وَوَقع للْبُخَارِيّ فِي الْفِتَن: (أُرِيد نصْرَة ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: يَعْنِي عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، قلت: هَذَا بعيد، وَيَردهُ مَا فِي الصَّحِيح. قَوْله: (إِذا التقى المسلمان بسيفيهما) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (إِذا توجه المسلمان) ، أَي: إِذا ضرب كل وَاحِد مِنْهُمَا وَجه صَاحبه، أَي: ذَاته وَجُمْلَته. قَوْله: (فالقاتل والمقتول فِي النَّار) قَالَ عِيَاض وَغَيره: مَعْنَاهُ إِن جازاهما الله تَعَالَى وعاقبهما كَمَا هُوَ مَذْهَب أهل السّنة، وَهُوَ أَيْضا مَحْمُول على غير المتأول، كمن قَاتل لمعصية أَو غَيرهَا مِمَّا يشبهها، وَيُقَال: معنى الْقَاتِل والمقتول فِي النَّار، أَنَّهُمَا يستحقانها، وَأَمرهمَا إِلَى الله عز وَجل، كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي حَدِيث عبَادَة: (فَإِن شَاءَ عَفا عَنْهُمَا، وَإِن شَاءَ عاقبهما، ثمَّ أخرجهُمَا من النَّار فأدخلهما الْجنَّة) ، كَمَا ثَبت فِي حَدِيث أبي سعيد وَغَيره فِي العصاة الَّذين يخرجُون من النَّار فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي جَانب السَّيْل، وَنَظِير هَذَا الحَدِيث فِي الْمَعْنى قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} (النِّسَاء: ٩٣) مَعْنَاهُ: هَذَا جَزَاؤُهُ، وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يجازى. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْقِتَال فِي الْفِتْنَة: فَمنع بَعضهم الْقِتَال فِيهَا وَإِن دخلُوا عَلَيْهِ، عملا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث، وَبِحَدِيث أبي بكرَة فِي صَحِيح مُسلم الطَّوِيل: (إِنَّهَا سَتَكُون فتن) الحَدِيث. وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَا يُقَاتل، وَإِن دخلُوا عَلَيْهِ وطلبوا قَتله، وَلَا تجوز لَهُ المدافعة عَن نَفسه لِأَن الطَّالِب متأول، وَهَذَا مَذْهَب أبي بكرَة وَغَيره. وَفِي (طَبَقَات) ابْن سعد مثله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَقَالَ عمرَان بن حُصَيْن وَابْن عَمْرو وَغَيرهمَا: لَا يدْخل فِيهَا، فَإِن قصدُوا دفع عَن نَفسه. وَقَالَ مُعظم الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهمَا: يجب نصر الْحق وقتال الباغين لقَوْله تَعَالَى: {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} (الحجرات: ٩) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، ويتأول أَحَادِيث الْمَنْع على من لم يظْهر لَهُ الْحق، أَو على عدم التَّأْوِيل لوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ الْأَولونَ لظهر الْفساد واستطالوا، وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ أهل السّنة الْإِمْسَاك عَمَّا شجر بَين الصَّحَابَة، وَحسن الظَّن بهم، والتأويل لَهُم، وَأَنَّهُمْ مجتهدون متأولون لم يقصدوا مَعْصِيّة وَلَا مَحْض الدُّنْيَا، فَمنهمْ المخطىء فِي اجْتِهَاده والمصيب، وَقد رفع الله الْحَرج عَن الْمُجْتَهد المخطىء فِي الْفُرُوع، وَضعف أجر الْمُصِيب، وَتوقف الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي تعْيين المحق مِنْهُم، وَصرح بِهِ الْجُمْهُور وَقَالُوا: إِن عليا، رَضِي الله عَنهُ، وأشياعه كَانُوا مصيبين إِذا كَانَ أَحَق النَّاس بهَا، وَأفضل من على وَجه الدُّنْيَا حِينَئِذٍ. قَوْله: (إِنَّه كَانَ حَرِيصًا على قتل صَاحبه) وَفِي رِوَايَة: إِنَّه قد أَرَادَ قتل صَاحبه. قَالَ القَاضِي: فِيهِ حجَّة للْقَاضِي أبي بكر بن الطّيب، وَمن قَالَ بقوله: إِن الْعَزْم على الذَّنب وَالْعقد على عمله مَعْصِيّة بِخِلَاف الْهم المعفو عَنهُ، قَالَ: وللمخالف لَهُ أَن يَقُول: هَذَا قد فعل أَكثر من الْعَزْم، وَهُوَ المواجهة والقتال. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالْأول هُوَ الصَّحِيح. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن من نوى الْمعْصِيَة وأصر عَلَيْهَا يكون آثِما، وَإِن لم يعملها وَلَا تكلم. قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن من عزم على الْمعْصِيَة بِقَلْبِه ووطن نَفسه عَلَيْهَا أَثم فِي اعْتِقَاده وعزمه، وَلِهَذَا جَاءَ بِلَفْظ الْحِرْص فِيهِ، وَيحمل مَا وَقع من نَحْو قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (إِن الله تجَاوز لأمتي عَن مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم يتكلموا أَو يعلمُوا بِهِ) . وَفِي الحَدِيث الآخر: (إِذا هم عَبدِي بسيئة فَلَا تكتبوها عَلَيْهِ) ، على أَن ذَلِك فِيمَا إِذا لم يوطن نَفسه عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا مر ذَلِك بفكره من غير اسْتِقْرَار، وَيُسمى هَذَا هما وَيفرق بَين الْهم والعزم، وَإِن عزم تكْتب سَيِّئَة، فَإِذا عَملهَا كتبت مَعْصِيّة ثَانِيَة.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: فِي قَوْله (انصر هَذَا الرجل) إِن السُّؤَال عَن الْمَكَان وَالْجَوَاب عَن الْفِعْل، فَلَا تطابق بَينهمَا. وَأجِيب: بِأَن المُرَاد: أُرِيد مَكَانا انصر فِيهِ. وَمِنْهَا مَا قيل: الْقَاتِل والمقتول من الصَّحَابَة فِي الْجنَّة إِن كَانَ قِتَالهمْ من الِاجْتِهَاد الْوَاجِب اتِّبَاعه. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك عِنْد عدم الِاجْتِهَاد وَعدم ظن أَن فِيهِ الصّلاح الديني أما إِذا اجْتهد وَظن الصّلاح فِيهِ، فهما مأجوران مثابان، من أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَمن أَخطَأ فَلهُ أجر، وَمَا وَقع بَين الصَّحَابَة هُوَ من هَذَا الْقسم، فَالْحَدِيث لَيْسَ عَاما. وَمِنْهَا مَا قيل: لم منع أَبُو بكرَة الْأَحْنَف مِنْهُ، وَلم امْتنع بِنَفسِهِ مِنْهُ؟ وَأجِيب: بِأَن ذَلِك أَيْضا اجتهادي، فَكَانَ يُؤَدِّي اجْتِهَاده إِلَى الِامْتِنَاع وَالْمَنْع، فَهُوَ أَيْضا مثاب فِي ذَلِك. وَمِنْهَا مَا قيل: إِن لَفْظَة (فِي النَّار) مشعرة بحقية مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>