مُحَمَّد رَسُول الله، على أَن جُمْهُور عُلَمَائِنَا شرطُوا فِي صِحَة إِسْلَامه، بعد التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَن يَقُول: تبرأت عَن كل دين سوى دين الْإِسْلَام، وَمُرَاد البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة أَن من قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله، من أهل الشّرك وَمَات لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَالدَّلِيل على ذَلِك حَدِيث الْبَاب على مَا نذْكر مَا قَالُوا فِيهِ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مُرَاد البُخَارِيّ الْإِشَارَة إِلَى من قَالَ: لَا إِلَه إلَاّ الله عِنْد الْمَوْت مخلصا كَانَ ذَلِك مسْقطًا لما تقدم لَهُ، وَالْإِخْلَاص يسْتَلْزم التَّوْبَة والندم، وَيكون النُّطْق علما على ذَلِك قلت: يلْزم مِمَّا قَالَه أَن من قَالَ لَا إلاه إِلَّا الله وَاسْتمرّ عَلَيْهِ وَلكنه عِنْد الْمَوْت لم يذكرهُ وَلم يدْخل تَحت هَذَا الْوَعْد الصَّادِق وَالشّرط أَن يَقُول: لَا إِلَه إلَاّ الله وَاسْتمرّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَإِن لم يذكرهُ عِنْد الْمَوْت، لِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْإِسْلَام النطقي وَبَين الْحكمِي المستصحب، وَأما أَنه إِذا عمل أعمالاً سَيِّئَة فَهُوَ فِي سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى مَعَ مَشِيئَته. فَإِن قلت: لِمَ حذف البُخَارِيّ جَوَاب: من، من التَّرْجَمَة مَعَ أَن لفظ الحَدِيث: (من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إلَاّ الله دخل الْجنَّة) ؟ قلت: قيل: مُرَاعَاة لتأويل وهب بن مُنَبّه لِأَنَّهُ لما قيل لَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَه إلَاّ الله مِفْتَاح الْجنَّة؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن لَيْسَ مِفْتَاح إلَاّ وَله أَسْنَان ... إِلَى آخِره، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لَا بُد لَهُ من الطَّاعَات، وَأَن بِمُجَرَّد القَوْل بِهِ بِدُونِ الطَّاعَات لَا يدْخل الْجنَّة، فَظن هَذَا الْقَائِل أَن رَأْي البُخَارِيّ فِي هَذَا مثل رَأْي وهب، فَلذَلِك حذف لفظ: دخل الْجنَّة، الَّذِي هُوَ جَوَاب من قلت: الَّذِي يظْهر أَن حذفه إِنَّمَا كَانَ اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، فَإِنَّهُ صرح بِأَن من مَاتَ وَلم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة وَإِن ارْتكب الذنبين العظيمين الْمَذْكُورين فِيهِ، مَعَ أَن الدَّاودِيّ قَالَ: قَول وهب مَحْمُول على التَّشْدِيد، أَو لَعَلَّه لم يبلغهُ حَدِيث أبي ذَر، وَهُوَ حَدِيث الْبَاب.
وَقِيلَ لِوَهِبِ بنِ مُنَبِّهٍ: ألَيْسَ لَا إلَهَ إلَاّ الله مِفْتَاحُ الجَنَّةِ؟ قَالَ بَلَى وَلاكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلَاّ لَهُ أسْنَانٌ فَإنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإلَاّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ
وهب بن مُنَبّه مر فِي كتاب الْعلم، وَهَذَا القَوْل وَقع فِي حَدِيث مَرْفُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره الْبَيْهَقِيّ: (عَن معَاذ ابْن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ حِين بَعثه إِلَى الْيمن: (إِنَّك ستأتي أهل كتاب يَسْأَلُونَك عَن مِفْتَاح الْجنَّة، فَقل: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إلَاّ الله، وَلَكِن مِفْتَاح بِلَا أَسْنَان، فَإِن جِئْت بمفتاح لَهُ أَسْنَان فتح لَك وَإِلَّا لم يفتح لَك) . وَذكر أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه (أَحْوَال الْمُوَحِّدين) أَن أَسْنَان هَذَا الْمِفْتَاح هِيَ الطَّاعَات الْوَاجِبَة من الْقيام بِطَاعَة الله تَعَالَى وتأديتها، والمفارقة لمعاصي الله تَعَالَى ومجانبتها. قلت: قد ذكرنَا أَحَادِيث فِيمَا مضى تدل على أَن قَائِل: لَا إِلَه إلَاّ الله يدْخل الْجنَّة، وَلَيْسَت مُقَيّدَة بِشَيْء. غَايَة مَا فِي الْبَاب جَاءَ فِي حَدِيث آخر: أَن هَذِه الْكَلِمَة مِفْتَاح الْجنَّة، وَالظَّاهِر أَن قيد الْمِفْتَاح بالأسنان مدرج فِي الحَدِيث، وَذكر الْمِفْتَاح لَيْسَ على الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَن التَّمَكُّن من الدُّخُول عِنْد هَذَا القَوْل، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمِفْتَاح الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَهُ أَسْنَان وَلَا يفتح إِلَّا بهَا، وَإِذا قُلْنَا: المُرَاد من الْأَسْنَان الطَّاعَات يلْزم من ذَلِك أَن من قَالَ: لَا إلاه أَلا الله، وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن من مَاتَ وَلم يعْمل بِطَاعَة أَنه لَا يدْخل الْجنَّة، وَهُوَ مَذْهَب الرافضة والإباضية وَأكْثر الْخَوَارِج، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: إِن أَصْحَاب الْكَبَائِر والمذنبين من الْمُؤمنِينَ يخلدُونَ فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ، وَالْقُرْآن نَاطِق بتكذيبهم، قَالَ الله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} (النِّسَاء: ٨٤) . وَحَدِيث الْبَاب أَيْضا يكذبهم وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عُثْمَان مَرْفُوعا (من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إلَاّ الله دخل الْجنَّة) .
٧٣٢١ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ قَالَ حدَّثنا وَاصِلٌ الأحْدَبُ عنِ المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عنْ أبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فأخْبَرَني أوْ قالَ بَشرَني أنَّهُ منْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ الجنَّةَ قُلْتُ وَإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قالَ وإنْ زَنى وَإنْ سَرَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يدل على أَن من مَاتَ وَلم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة، وَهُوَ معنى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute