للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الذَّنب إِمَّا حق الله تَعَالَى، وَأَشَارَ بِالزِّنَا إِلَيْهِ، وَإِمَّا حق الْعباد، وَأَشَارَ بِالسَّرقَةِ إِلَيْهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: حجَّة لأهل السّنة أَن أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يقطع لَهُم بالنَّار وَأَنَّهُمْ إِن دخلوها خَرجُوا مِنْهَا، وَقَالَ ابْن بطال: من مَاتَ على اعْتِقَاد لَا إِلَه إلَاّ الله، وَإِن بَعُدَ قَوْله لَهَا عَن مَوته إِذا لم يقل بعْدهَا خلَافهَا حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يدْخل الْجنَّة. وَيُقَال: وَجه هَذَا الحَدِيث عِنْد بعض أهل الْعلم أَن أهل التَّوْحِيد سيدخلون الْجنَّة وَإِن عذبُوا فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَإِنَّهُم لَا يخلدُونَ فِي النَّار. وَقيل: حَدِيث أبي ذَر من أَحَادِيث الرَّجَاء الَّتِي أفْضى الاتكال عَلَيْهَا لبَعض الجهلة إِلَى الْإِقْدَام على الموبقات، وَلَيْسَ هُوَ على ظَاهره، فَإِن الْقَوَاعِد اسْتَقَرَّتْ على أَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط بِمُجَرَّد الْمَوْت على الْإِيمَان، وَلَكِن لَا يلْزم من عدم سُقُوطهَا أَن لَا يتكفل الله بهَا عَمَّن يُرِيد أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن ثمَّ رد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أبي ذَر استبعاده، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بقوله: (دخل الْجنَّة) أَي: صَار إِلَيْهَا إِمَّا ابْتِدَاء من أول الْحَال، وَإِمَّا بعد أَن يَقع مَا يَقع من الْعَذَاب.

٨٣٢١ - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثنا شَقِيقٌ عنْ عَبْدَ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ النَّارَ وقُلْتُ أنَا مَنْ ماتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دَخَلَ الجنَّةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الَّذِي يَمُوت مُشْركًا يدْخل النَّار، وَيفهم مِنْهُ أَن الَّذِي يَمُوت وَلَا يُشْرك بِاللَّه يدْخل الْجنَّة، فَلذَلِك قَالَ ابْن مَسْعُود: (قلت أَنا. .) إِلَى آخِره، وَالَّذِي لَا يُشْرك بِاللَّه هُوَ الْقَائِل: لَا إِلَه إلَاّ الله، فَوَقع التطابق بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَبِهَذَا يرد على من يَقُول: لَيْسَ الحَدِيث مُوَافقا للتبويب.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عمر بن حَفْص النَّخعِيّ. الثَّانِي: أَبوهُ حَفْص بن غياث بن طلق. الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الاب. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَذَلِكَ لِأَن الْأَعْمَش روى حَدِيثا عَن أنس بن مَالك فِي دُخُول الْخَلَاء، وَإِمَّا فِي رُؤْيَته إِيَّاه فَلَا نزاع فِيهَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة، وَفِي الْإِيمَان وَالنُّذُور عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه ووكيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل.

ذكر مَعْنَاهُ: وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ قَوْله: (من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه) ، وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش فِي تَفْسِير الْبَقَرَة: (من مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو من دون الله ندا) . وَفِي أَوله: (قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمة، وَأَنا أُخْرَى، قَالَ: من مَاتَ يَجْعَل لله ندا دخل النَّار، وَقلت: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة) . وَفِي رِوَايَة وَكِيع وَابْن نمير لمُسلم بِالْعَكْسِ: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة، وَقلت أَنا: من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار) . وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن ابْن مَسْعُود سمع أحد الْحكمَيْنِ فَرَوَاهُ وَضم إِلَيْهِ الحكم الآخر قِيَاسا على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، وَالَّذِي يظْهر أَنه نسي مرّة، وَهِي الرِّوَايَة الأولى، وَحفظ مرّة وَهِي الْأُخْرَى، فرواهما مرفوعين كَمَا فعله غَيره من الصَّحَابَة، وَقَالَ بَعضهم: لم تخْتَلف الرِّوَايَات فِي (الصَّحِيحَيْنِ) فِي أَن الْمَرْفُوع الْوَعيد وَالْمَوْقُوف الْوَعْد، وَزعم الْحميدِي فِي (جمعه) وَتَبعهُ مغلطاي فِي (شَرحه) وَمن أَخذ عَنهُ: أَن رِوَايَة مُسلم من طَرِيق وَكِيع وَابْن نمير بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَكَانَ سَبَب الْوَهم فِي ذَلِك مَا وَقع عِنْد أبي عوَانَة والإسماعيلي من طَرِيق وَكِيع بِالْعَكْسِ، لَكِن بيَّن الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن الْمَحْفُوظ عَن وَكِيع كَمَا فِي البُخَارِيّ. قلت: كَيفَ يكون وهما وَقد وَقع عِنْد مُسلم بِالْعَكْسِ؟ وَوجه ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ، وَقد قَالَ النَّوَوِيّ: الْجيد أَن يُقَال: سمع ابْن مَسْعُود اللَّفْظَيْنِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلكنه فِي وَقت حفظ أَحدهمَا وتيقنه وَلم يحفظ الآخر، فَرفع الْمَحْفُوظ وَضم الآخر إِلَيْهِ. وَفِي وَقت بِالْعَكْسِ، فَهَذَا جمع بَين روايتي ابْن مَسْعُود وموافقة

<<  <  ج: ص:  >  >>