للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذَلِك مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلا فِيهِ. الثَّالِث: مَا قَالَه الْخطابِيّ: هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحذير من اعْتَادَ هَذِه الْخِصَال خوفًا أَن يُفْضِي بِهِ إِلَى النِّفَاق، دون من وَقعت نادرة مِنْهُ من غير اخْتِيَار أَو اعتياد، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: (التَّاجِر فَاجر، وَأكْثر منافقي أمتِي قراؤها) . وَمَعْنَاهُ التحذير من الْكَذِب، إِذْ هُوَ فِي معنى الْفُجُور، فَلَا يُوجب أَن يكون التُّجَّار كلهم فجارا، أَو الْقُرَّاء قد يكون من بَعضهم قلَّة إخلاص للْعَمَل وَبَعض الرِّيَاء، وَهُوَ لَا يُوجب أَن يَكُونُوا كلهم منافقين. وَقَالَ أَيْضا: والنفاق ضَرْبَان. أَحدهمَا: أَن يظْهر صَاحبه الدّين وَهُوَ مبطن للكفر، وَعَلِيهِ كَانُوا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالْآخر: ترك الْمُحَافظَة على أُمُور الدّين سرا ومراعاتها علنا، وَهَذَا أَيْضا يُسمى نفَاقًا، كَمَا جَاءَ: (سباب الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر) . وَإِنَّمَا هُوَ كفر دون كفر، وَفسق دون فسق، كَذَلِك هُوَ نفاق دون نفاق. الرَّابِع: مَا قَالَه بَعضهم: ورد الحَدِيث فِي رجل بِعَيْنِه مُنَافِق، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يواجههم بِصَرِيح القَوْل، فَيَقُول: فلَان مُنَافِق، بل يُشِير إِشَارَة كَقَوْلِه، عَلَيْهِ السَّلَام: (مَا بَال أَقوام يَفْعَلُونَ كَذَا) ؟ فههنا أَشَارَ بِالْآيَةِ إِلَيْهِ حَتَّى يعرف ذَلِك الشَّخْص بهَا. الْخَامِس: مَا قَالَه بَعضهم: المُرَاد بِهِ المُنَافِقُونَ الَّذين كَانُوا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدثوا بِأَنَّهُم آمنُوا فكذبوا، واؤتمنوا على دينهم فخانوا، ووعدوه فِي نصْرَة الدّين فاخلفوا. قَالَ القَاضِي: وَإِلَيْهِ مَال كثير من أَئِمَّتنَا، وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح فِي تَفْسِير الحَدِيث، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ مَذْهَب ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير، رَضِي الله عَنْهُم. وَرووا فِي ذَلِك حَدِيثا: (يرْوى أَن رجلا قَالَ لعطاء: سَمِعت الْحسن يَقُول: من كَانَ فِيهِ ثَلَاث خِصَال لم أتحرج أَن أَقُول إِنَّه مُنَافِق: من إِذا حدث كذب، وَإِذا وعد أخلف، وَإِذا اؤتمن خَان) . فَقَالَ عَطاء: إِذا رجعت إِلَى الْحسن فَقل لَهُ: إِن عَطاء يقرؤك السَّلَام، وَيَقُول لَك: أذكر إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام. وَاعْلَم أَنه لن يخلق أهل اللإسلام أَن يكون فيهم الْخِيَانَة وَالْخلف. وَنحن نرجو أَن يعيذهم الله من النِّفَاق، وَمَا اسْتَقر اسْم النِّفَاق قطّ إلَاّ فِي قلب جَاحد، وَقد قَالَ الله فِي حق الْمُنَافِقين {ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا} (المُنَافِقُونَ: ٣) فَذكر زَوَال الْإِسْلَام عَن قُلُوبهم، وَنحن نرجوا أَن لَا يَزُول عَن قُلُوب الْمُؤمنِينَ، فَأخْبر الْحسن، فَقَالَ: جَزَاك الله خيرا، ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: إِذا سَمِعْتُمْ مني حَدِيثا فحدثتم بِهِ الْعلمَاء فَمَا كَانَ غير صَوَاب فَردُّوا على جَوَابه. وَرُوِيَ أَن سعيد بن جُبَير أهمه هَذَا الحَدِيث، فَسَأَلَهُ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم، فَقَالَا: أهمنا من ذَلِك يَا ابْن أخي مثل الَّذِي أهمك، فسألنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَضَحِك النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ: مالكم ولهن، إِنَّمَا خصصت بِهِ الْمُنَافِقين. أما قولي: إِذا حدث كذب، فَذَلِك فِيمَا أنزل الله تَعَالَى عَليّ: {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} (المُنَافِقُونَ: ١) الْآيَة، أفأنتم كَذَلِك؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَلَا عَلَيْكُم، أَنْتُم من ذَلِك برَاء. وَأما قولي: إِذا وعد أخلف، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله} (التَّوْبَة: ٧٥) الْآيَات الثَّلَاث، أفأنتم كَذَلِك؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: لَا عَلَيْكُم، أَنْتُم من ذَلِك برَاء. وَأما قولي: إِذا اؤتمن خَان، فَذَلِك فِيمَا أنزل الله تَعَالَى عَليّ: {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال} (الْأَحْزَاب: ٧٢) الْآيَة فَكل إِنْسَان مؤتمن على دينه يغْتَسل من الْجَنَابَة وَيُصلي ويصوم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَالْمُنَافِق لَا يفعل ذَلِك إِلَّا فِي الْعَلَانِيَة، أفأنتم كَذَلِك؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: لَا عَلَيْكُم، أَنْتُم من ذَلِك برَاء. السَّادِس: مَا قَالَه حُذَيْفَة: ذهب النِّفَاق، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاق على عهد رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلكنه الْكفْر بعد الْإِيمَان، فَإِن الْإِسْلَام شاع وتوالد النَّاس عَلَيْهِ، فَمن نَافق بِأَن أظهر الْإِسْلَام وأبطن خِلَافه فَهُوَ مُرْتَد. السَّابِع: مَا قَالَه القَاضِي: إِن المُرَاد التَّشْبِيه بأحوال الْمُنَافِقين فِي هَذِه الْخِصَال، فِي إِظْهَار خلاف مَا يبطنون، لَا فِي نفاق الْإِسْلَام الْعَام، وَيكون نفَاقه على من حَدثهمْ وَوَعدهمْ وائتمنه وخاصمه وعاهده من النَّاس. الثَّامِن: مَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ: إِن المُرَاد بالنفاق نفاق الْعَمَل، وَاسْتدلَّ بقول عمر لِحُذَيْفَة، رَضِي الله عَنْهُمَا. هَل تعلم فيَّ شَيْئا من النِّفَاق؟ فَإِنَّهُ لم يرد بذلك نفاق الْكفْر، وَإِنَّمَا أَرَادَ نفاق الْعَمَل. قلت: الْألف وَاللَّام فِي: النِّفَاق، لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون للْجِنْس، أَو للْعهد فَإِن كَانَت للْجِنْس يكون على سَبِيل التَّشْبِيه والتمثيل لَا على الْحَقِيقَة، وَإِن كَانَت للْعهد يكون من مُنَافِق خَاص بِعَيْنِه، أَو من الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا فِي زَمَنه، عَلَيْهِ السَّلَام، على مَا ذكرنَا.

٣٤ - حدّثنا قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ قَالَ حدّثنا سُفْيانُ عنِ عبدِ اللَّهِ عَن الأعْمَشِ بنِ مُرَّةَ عَن مَسْرُوقٍ عَن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍ وأنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيه كَانَ مُنَافِقا خَالِصا

<<  <  ج: ص:  >  >>