هَذَا حَدِيث ابْن عمر أخرجه فِي: بَاب الْجُمُعَة فِي الْقرى والمدن مَوْصُولا مطولا وَجه إِيرَاد هَذِه الْآيَة فِي معرض الِاسْتِدْلَال هُوَ أَن الْأَمر فِيهَا يَشْمَل سَائِر جِهَات الْوِقَايَة، فالرجل إِذا كَانَ رَاعيا لأَهله وَجَاء مِنْهُ شَرّ وَتَبعهُ أَهله على ذَلِك أَو هُوَ رَآهُمْ يَفْعَلُونَ الشَّرّ وَلم ينههم عَن ذَلِك فَإِنَّهُ يسْأَل عَنهُ لِأَن ذَلِك كَانَ من سنته.
فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْآيَة والْحَدِيث وَهُوَ مُقَيّد وَالْآيَة مُطلقَة؟ قلت: الْآيَة بظاهرها، وَإِن دلّت على الْعُمُوم، وَلَكِن خص مِنْهَا من لم يكن لَهُ علم بِمَا يَفْعَله أَهله من الشَّرّ، وَمن نَهَاهُم عَنهُ فَلم ينْتَهوا فَلَا مُؤَاخذَة هَهُنَا، وَلِهَذَا قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: إِذا كَانَ ينهاهم فِي حَيَاته فَفَعَلُوا شَيْئا من ذَلِك بعد وَفَاته لم يكن عَلَيْهِ شَيْء.
فإذَا لَمْ يَكُنْ منْ سُنَّتِهِ فَهْوَ كمَا قالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا: {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الْأَنْعَام: ٤٦١، الْإِسْرَاء: ٥١، فاطر: ٨١، الزمر: ٧) .
هَذَا قسيم قَوْله: إِذا كَانَ النوح من سنته، يَعْنِي: فَإِذا لم يكن النوح مَعَ الْبكاء من سنته أَي: من عَادَته وطريقته. قَوْله: (كَمَا قَالَت) ، جَوَاب إِذا المتضمن معنى الشَّرْط، فحاصل الْمَعْنى إِذا لم يكن من سنته فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، كَقَوْل عَائِشَة: فالكاف للتشبيه، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: كَقَوْل عَائِشَة مستدلة بقوله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: ٤٦١. الْإِسْرَاء: ٥١، فاطر: ٨١، الزمر: ٧) . أَي: وَلَا تحمل نفس حاملة ذَنبا ذَنْب نفس أُخْرَى، حَاصله: لَا تؤاخذ نفس بِغَيْر ذنبها، وأصل: لَا تزر، لَا توزر، لِأَنَّهُ من الْوزر، فحذفت الْوَاو لوقوعها بَين الْيَاء الَّتِي للْغَائِب والكسرة، وحملت عَلَيْهِ بَقِيَّة الْأَمْثِلَة.
وَهْوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ذُنُوبا إلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلُ مِنْهُ شَيءٌ
هَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده، أَي: مَا استدلت عَائِشَة بقوله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: ٤٦١، الْإِسْرَاء: ٥١، فاطر: ٨١، الزمر: ٧) . كَقَوْلِه تَعَالَى: {وان تدع مثقلة} (فاطر: ٨١) . أَي: وَإِن تدع نفس مثقلة بذنوبها غيرا إِلَى حمل أَوزَارهَا: {لَا يحمل مِنْهُ شَيْء} (فاطر: ٨١) . وَهَذَا يدل على أَنه لَا غياث يَوْمئِذٍ لمن اسْتَغَاثَ من الْكفَّار، حَتَّى إِن نفسا قد أثقلتها الأوزار لَو دعت إِلَى أَن يخف بعض حملهَا لم تجب وَلم تغث {وَلَو كَانَ ذَا قربى} (فاطر: ٨١) . أَي: وَإِن كَانَ الْمَدْعُو بعض قرابتها من أَب أَو أم أَو ولد أَو أَخ، والمدعو وَإِن لم يكن لَهُ ذكر يدل عَلَيْهِ. {وَإِن تدع مثقلة} (فاطر: ٨١) . وَإِنَّمَا لم يذكر الْمَدْعُو ليعم ويشمل كل مدعُو، واستقام إِضْمَار الْعَام وَإِن لم يَصح أَن يكون الْعَام ذَا قربى للمثقلة لِأَنَّهُ من الْعُمُوم الْكَائِن على الْبَدَل.
وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ البُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ
هَذَا عطف على أول التَّرْجَمَة، تَقْدِيره: بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعذب الْمَيِّت ... إِلَى آخِره، وَفِي بَيَان مَا يرخص من الْبكاء بِغَيْر نياحة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو هُوَ عطف على: كَمَا قَالَت، أَي: فَهُوَ كَمَا يرخص فِي عدم الْعَذَاب، وَكلمَة: مَا، يجوز أَن تكون مَوْصُولَة وَأَن تكون مَصْدَرِيَّة، والترخيص من الْبكاء فِي غير نوح جَاءَ فِي حَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز حَدثنَا ابْن الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا شريك عَن عَامر بن سعد، قَالَ: دخلت عرسا وَفِيه قرظة بن كَعْب وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: فَذكر حَدِيثا لَهما قَالَا فِيهِ: إِنَّه قد رخص لنا فِي الْبكاء عِنْد الْمُصِيبَة من غير نوح، وَصَححهُ الْحَاكِم وَلَكِن لَيْسَ إِسْنَاده على شَرط البُخَارِيّ، فَلذَلِك لم يذكرهُ، وَلكنه أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَمَا يرخص. . إِلَى آخِره، وقرظه، بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء والظاء المشالة، أَنْصَارِي خزرجي، كَانَ أحد من وَجهه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الْكُوفَة ليفقه النَّاس، وَكَانَ على يَدَيْهِ فتح الرّيّ، واستخلفه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْكُوفَة. وَقَالَ ابْن سعيد وَغَيره: مَاتَ فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْما إِلَّا كانَ عَلَى ابنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذالِكَ لأِنَّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ
هَذَا أخرجه البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود مَوْصُولا فِي خلق آدم: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث حَدثنَا أبي حَدثنَا الْأَعْمَش. قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث وَأخرجه