للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الْمُرُور على يَهُودِيَّة مَا يرفع روايتهما، لجَوَاز أَن يكون الخبران صَحِيحَيْنِ مَعًا، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا. وَأما احتجاجها بِالْآيَةِ فَإِنَّهُم كَانُوا يوصون أَهْليهمْ بالنياحة، وَكَانَ ذَلِك مَشْهُورا مِنْهُم، فالميت إِنَّمَا يلْزمه الْعقُوبَة بِمَا تقدم من وَصيته إِلَيْهِم بِهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أنْكرت عَائِشَة روايتهما ونسبتهما إِلَى النسْيَان والاشتباه، وأولت الحَدِيث بِأَن مَعْنَاهُ يعذب فِي حَال بكاء أَهله لَا بِسَبَبِهِ، كَحَدِيث الْيَهُودِيَّة.

٠٩٢١ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْهَرٍ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جَعَلَ صُهَيْبٌ يقُولُ وَاأخاهْ فَقَالَ عُمَرُ أمَا عَلِمْتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحيِّ.

(أنظر الحَدِيث ٧٨٢١ وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ التّبعِيَّة للْحَدِيث السَّابِق فَإِن فِيهِ: خَاطب عمر صهيبا بقوله: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الْمَيِّت ليعذب بِبَعْض بكاء أَهله عَلَيْهِ) ، وَهنا خاطبه بقوله: (أما علمت؟) إِلَى آخِره.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن خَلِيل أَبُو عبد الله الخراز، قَالَ البُخَارِيّ: جَاءَنَا نعيه سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عَليّ بن مسْهر أَبُو الْحسن الْقرشِي. الثَّالِث: أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ، وَاسم أبي سُلَيْمَان: فَيْرُوز. الرَّابِع: أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه الْحَارِث، وَيُقَال: عَامر. الْخَامِس: أَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. وَفِيه: أحدهم مَذْكُور بِالْكِنَايَةِ مُفَسّر بِالنِّسْبَةِ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن عَليّ بن حجر عَن عَليّ بن مسْهر وَعَن عَليّ ابْن حجر عَن شُعَيْب بن صَفْوَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي بردة بِهِ.

قَوْله: (أما علمت؟) صَرِيح فِي أَن الحكم لَيْسَ خَاصّا بالكافر. قَوْله: (ببكاء الْحَيّ) المُرَاد من الْحَيّ من يُقَابل الْمَيِّت، قيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ الْقَبِيلَة، وَتَكون اللَّام فِيهِ بدل الضَّمِير، وَالتَّقْدِير: يعذب ببكاء حيه أَي: قبيلته، فيوافق الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (ببكاء أَهله) ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم (عَن أبي مُوسَى، قَالَ: لما أُصِيب عمر أقبل صُهَيْب من منزله حَتَّى دخل على عمر، فَقَامَ بحياله يبكي، فَقَالَ لَهُ عمر: على م تبْكي؟ أعلي تبْكي؟ قَالَ: إِنِّي وَالله لعليك أبْكِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: وَالله لقد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يبكي عَلَيْهِ يعذب، قَالَ: ذكرت ذَلِك لمُوسَى بن طَلْحَة، فَقَالَ: كَانَت عَائِشَة تَقول: إِنَّمَا كَانَ أُولَئِكَ الْيَهُود) . انْتهى.

وَفِي الحَدِيث دلَالَة على أَن صهيبا أحد من سمع هَذَا الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَأَنَّهُ نَسيَه حَتَّى ذكره بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: إِنَّمَا أنكر عمر على صُهَيْب بكاءه لرفع صَوته بقوله: واأخاه، ففهم مِنْهُ أَن إِظْهَاره لذَلِك قبل موت عمر يشْعر باستصحابه ذَلِك بعد وَفَاته أَو زِيَادَته عَلَيْهِ، فَابْتَدَرَهُ بالإنكار لذَلِك، وَقَالَ ابْن بطال: إِن قيل: كَيفَ نهى صهيبا عَن الْبكاء وَأقر نسَاء بني الْمُغيرَة على الْبكاء على خَالِد؟ كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب. فَالْجَوَاب: أَنه خشِي أَن يكون رَفعه لصوته من بَاب مَا نهى عَنهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي قصَّة خَالِد: مَا لم يكن نقع أَو لقلقَة. قلت: قَوْله: (يعذب ببكاء الْحَيّ) ، لم يرد دمع الْعين لجوازه على مَا جَاءَ فِي الحَدِيث، وَإِنَّمَا المُرَاد الْبكاء الَّذِي يتبعهُ النّدب وَالنوح، فَإِن ذَلِك إِذا اجْتمع سمي بكاء، لِأَن النّدب على الْمَيِّت كالبكاء عَلَيْهِ. قَالَ الْخَلِيل: من قصر الْبكاء ذهب بِهِ إِلَى معنى الْحزن، وَمن مده ذهب بِهِ إِلَى معنى الصَّوْت. قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا مددت أردْت الصَّوْت الَّذِي يكون مَعَ الْبكاء، وَإِذا قصرت أردْت الدُّمُوع. قَالَ أَبُو مَنْصُور الجواليقي: يُقَال للبكاء إِذا تبعه الصَّوْت وَالنَّدْب، بكاء، وَلَا يُقَال للنَّدْب إِذا خلا عَن بكاء: بكاء، فَيكون المُرَاد فِي الحَدِيث الْبكاء الَّذِي يتبعهُ الصَّوْت، لَا مُجَرّد الدمع. وَالله أعلم.

٩٨٢١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهَا سَمِعَتْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>