للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنهم هم الَّذين {عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . وَأخْبر أَنهم: {هم المهتدون} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . وَإِنَّمَا استحقوا هَذِه الْفَضَائِل الجزيلة بصبرهم المبشر عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْبشَارَة، وَهُوَ الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى، وَهُوَ الصَّبْر الْمَحْمُود الَّذِي يكون عِنْد مفاجأة الْمُصِيبَة فَإِنَّهُ إِذا طَالَتْ الْأَيَّام عَلَيْهَا وَقع السلو وَصَارَ الصَّبْر حِينَئِذٍ طبعا. قَوْله: (نعم العدلان) بِكَسْر الْعين أَي المثلان، وَقَالَ الْمُهلب: العدلان الصَّلَوَات وَالرَّحْمَة والعلاوة: {أُولَئِكَ هم المهتدون} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . وَقيل: {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} (الْبَقَرَة: ٦٥١) . والعلاوة الَّتِي يُثَاب عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْن التِّين: قَالَ أَبُو الْحسن: الْعدْل الْوَاحِد قَول الْمُصَاب: {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} (الْبَقَرَة: ٦٥١) . وَالْعدْل الثَّانِي الصَّلَوَات الَّتِي هِيَ عَلَيْهِنَّ من الله تَعَالَى، والعلاوة {وَأُولَئِكَ هم المهتدون} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . وَهُوَ ثَنَاء من الله تَعَالَى عَلَيْهِم. وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّمَا هُوَ مثل ضربه للجزاء، فالعدلان عدلا الْبَعِير أَو الدَّابَّة، والعلاوة الغرارة الَّتِي تُوضَع فِي وسط العدلين مَمْلُوءَة، يَقُول: وكما حملت هَذِه الرَّاحِلَة وسقاءها فَإِنَّهَا لم يبْق مَوضِع يحمل عَلَيْهِ، فَكَذَلِك أعْطى هَذَا الْأجر وافرا، وعَلى قَول الدَّاودِيّ يكون العدلان والعلاوة. {أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . إِلَى {المهتدون} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . وَقَالَ ابْن قرقول: الْعدْل هُنَا نصف الْحمل على أحد شقي الدَّابَّة، وَالْحمل عَدْلَانِ، والعلاوة مَا جعل بَينهمَا. وَقيل: مَا علق على الْبَعِير، ضرب ذَلِك مثلا بقوله: {صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . قَالَ: فالصلوات عدل، وَالرَّحْمَة عدل. {وَأُولَئِكَ هم المهتدون} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . العلاوة. وَقَالَ الْفراء: الْعدْل، بِالْفَتْح: مَا عدل الشَّيْء من غير جنسه، وبالكسر: الْمثل، والعلاوة، بِالْكَسْرِ، مَا علقت على الْبَعِير بعد تَمام الوقر. نَحْو السقاء وَغَيره. قَوْله: (نعم) ، كلمة مدح، والعدلان فَاعله، (وَنعم العلاوة) عطف عَلَيْهِ. وَقَوله: (الَّذين) هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالعدلين القَوْل وجزاؤه، أَي قَوْله الْكَلِمَتَيْنِ وَنَوع الثَّوَاب، وهما متلازمان فِي أَن الْعدْل الأول مركب من كَلِمَتَيْنِ، وَالثَّانِي من النَّوْعَيْنِ من الثَّوَاب، وَمعنى الصَّلَاة من الله الْمَغْفِرَة، ثمَّ هَذَا الْأَثر الْمُعَلق وَصله الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من طَرِيق جرير عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. كَمَا سَاقه البُخَارِيّ، وَزَاد {أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . نعم العدلان. {وَأُولَئِكَ هم المهتدون} (الْبَقَرَة: ٧٥١) . نعم العلاوة. وَهَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم.

وقَوْلُهُ تَعَالى: {واسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَاّ علَى الخَاشِعِينَ} (الْبَقَرَة: ٥٤) .

وَقَوله، مجرور لِأَنَّهُ عطف على قَوْله: بَاب الصَّبْر، وَالتَّقْدِير: وَبَاب قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا ... } (الْبَقَرَة: ٥٤) . الْآيَة، وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا عطفا على قَوْله: (الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى) ، على تَقْدِير قطع الْإِضَافَة فِي لفظ: بَاب، كَمَا ذكرنَا فِيهِ الْوَجْهَيْنِ، وَجه ذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة هُنَا هُوَ أَنه: لما كَانَ الْمعبر من الصَّبْر هُوَ الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى الَّذِي ذكرنَا مَعْنَاهُ أَتَى الصابر بصبر مقرون بِالصَّلَاةِ، وَلِهَذَا (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حزبه أَمر صلَّى) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (تَفْسِيره) بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (أَنه نعى إِلَيْهِ أَخُوهُ قثم، وَهُوَ فِي سفر، فَاسْتَرْجع ثمَّ تنحى عَن الطَّرِيق فَأَنَاخَ فصلى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فيهمَا الْجُلُوس، ثمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة ... } (الْبَقَرَة: ٥٤) . الْآيَة. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: معنى الْآيَة: اسْتَعِينُوا على مَا يستقبلكم من أَنْوَاع البلايا بِالصبرِ وَالصَّلَاة، وَقيل: فِي أَمر الْآخِرَة، وَقيل: فِي ترك الرياسة. وَالصَّبْر الْحَبْس، لِأَن الصابر حَابِس نَفسه على مَا تكرههُ، وسمى الصَّوْم صبرا لحبس النَّفس فِيهِ عَن الطَّعَام وَغَيره، وَنهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل شَيْء من الدَّوَابّ صبرا وَهُوَ أَن يحبس حَيا. وَقيل: المُرَاد بِالصبرِ فِي هَذِه الْآيَة الصَّوْم، قَالَه مُجَاهِد. قَوْله: {وَإِنَّهَا} أَي: وَإِن الصَّلَاة، وَلم يقل: وإنهما، مَعَ أَن الْمَذْكُور: الصَّبْر وَالصَّلَاة، فَقيل: لِأَنَّهُ رد الضَّمِير إِلَى مَا هُوَ الأهم والأغلب، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا} (التَّوْبَة: ٤٣) . رد الضَّمِير إِلَى الْفضة لِأَنَّهَا أَعم وأغلب. فَإِن قلت: مَا وَجه الِاسْتِعَانَة بِالصَّلَاةِ؟ قلت: لما كَانَ فِيهَا تِلَاوَة الْقُرْآن وَالدُّعَاء والخضوع لله تَعَالَى كَانَ ذَلِك مَعُونَة على مَا تنَازع إِلَيْهِ النَّفس من حب الرياسة والأنفة من الانقياد إِلَى الطَّاعَة. قَوْله: {لكبيرة} أَي: شَدِيدَة ثَقيلَة على الْكَافرين إلَاّ على الخاشعين لَيست بكبيرة، والخاشع الَّذِي يرى أثر الذل والخضوع عَلَيْهِ، والخشوع فِي اللُّغَة: السّكُون. قَالَ: خَشَعت الْأَصْوَات للرحمن، وَقيل: الْخُشُوع فِي الصَّوْت وَالْبَصَر، والخضوع فِي الْبدن. فَإِن قلت: قد علمت أَن العَبْد مَنْهِيّ عَن الهجر وتسخط قَضَاء الرب فِي كل حَال، فَمَا وَجه خُصُوص نزُول النائبة بِالصبرِ فِي حَال حدوثها؟ قلت: لِأَن النَّفس عِنْد هجوم الْحَادِثَة تتحرك على الْخُشُوع لَيْسَ فِي غَيرهَا مثله، وَذَلِكَ يضعف على ضبط النَّفس فِيهَا لكثير من النَّاس، بل يصير كل جازع بعد ذَلِك إِلَى السلو ونسيان الْمُصِيبَة وَالْأَخْذ بقهر الصابر النَّفس،

<<  <  ج: ص:  >  >>