للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ندبته فَانْتدبَ أَي دَعوته فَأجَاب، وَمِنْه فِي حَدِيث الخَنْدَق: فَانْتدبَ الزبير، رَضِي الله عَنهُ، وَذكره الصغاني أَيْضا فِي بَاب النُّون مَعَ الدَّال وَقَالَ: وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (انتدب الله) الحَدِيث، فَمَعْنَاه: أَجَابَهُ إِلَى غفرانه. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: رَوَاهُ الْقَابِسِيّ: ائتدب، بِهَمْزَة صورتهَا يَاء من: المأدبة، يُقَال: أدب الْقَوْم مخففا، إِذا دعاهم، وَمِنْه: (الْقُرْآن مأدبة الله فِي الأَرْض) . قلت: قَالَ الصغاني: الْأَدَب الدُّعَاء إِلَى الطَّعَام، يُقَال أدبهم يأدبهم بِكَسْر الدَّال، وَاسم الطَّعَام عَن أبي زيد: المأدبة والمأدبة، يَعْنِي بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا، ثمَّ قَالَ: وَأما المأدبة، بِالْفَتْح، فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ: (إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته) فَلَيْسَتْ من الطَّعَام فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هِيَ مفعلة من الْأَدَب بِالتَّحْرِيكِ، انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هُنَا: ايتدب، بياء تَحْتَانِيَّة مَهْمُوزَة بدل النُّون من المأدبة وَهُوَ تَصْحِيف، وَقد وجههوه بتكلف، لَكِن إِطْلَاق الروَاة على خِلَافه. قلت: لم يقل أحد من الشُّرَّاح ولامن رُوَاة الْكتاب إِن هَذَا تَصْحِيف، وَلَا أطبقت الروَاة على خِلَافه، وَقد رَأَيْت مَا قَالَت الْمَشَايِخ فِيهِ وَالدَّعْوَى بِلَا برهَان لَا تقبل. قَوْله: (أَن أرجعه) بِفَتْح الْهمزَة من رَجَعَ، وَقد جَاءَ مُتَعَدِّيا ولازما، فمصدر الأول الرجع، ومصدر الثَّانِي الرُّجُوع، وَهَهُنَا مُتَعَدٍّ نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة} (التَّوْبَة: ٨٣) وَفِي (الْعباب) : رَجَعَ بِنَفسِهِ يرجع رُجُوعا ومرجعا ورجعي، قَالَ الله تَعَالَى: {ثمَّ إِلَى ربكُم مرجعكم} (الْأَنْعَام: ١٦٤، الزمر: ٧) وَهُوَ شَاذ لِأَن المصادر من: فعل يفعل، إِنَّمَا تكون بِالْفَتْح. وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن إِلَى رَبك الرجعى} (العلق: ٨) ورجعته عَن الشَّيْء وَإِلَى الشَّيْء رجعا: رَددته. قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّه على رجعه لقادر} (الطارق: ٨) أَي: على إِعَادَته حَيا بعد مَوته وبلاه، لِأَنَّهُ المبدىء المعيد. وَقَالَ تَعَالَى: {يرجع بَعضهم إِلَى بعض القَوْل} (سبأ: ٣١) أَي: يتلاومون. قَوْله: (بِمَا نَالَ) . أَي: بِمَا أصَاب من النّيل، وَهُوَ الْعَطاء. قَوْله: (خلف سَرِيَّة) خلف هَهُنَا بِمَعْنى بعد، والسرية: هِيَ قِطْعَة من الْجَيْش، يُقَال: خير السَّرَايَا أَربع مائَة رجل.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (انتدب) فعل مَاض، وَلَفْظَة: الله، فَاعله، وَقَوله (لمن خرج) يتَعَلَّق بانتدب، وَمن، مَوْصُولَة. وَخرج، جملَة صلتها، وَفِي سَبيله، يتَعَلَّق بِهِ، وَالضَّمِير فِي سَبيله، يرجع إِلَى الله. قَوْله: (لَا يُخرجهُ) جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَهُوَ الضَّمِير، وموضعها نصب على الْحَال، وَقد علم أَن الْمُضَارع إِذا وَقع حَالا وَكَانَ منفيا يجوز فِيهِ الْوَاو وَتركهَا، نَحْو: جَاءَنِي زيد لَا يركب، أَو: وَلَا يركب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا بُد من التَّأْوِيل وَهُوَ تَقْدِير اسْم فَاعل من القَوْل مَنْصُوب على الْحَال، كَأَنَّهُ قَالَ: انتدب الله لمن خرج فِي سَبيله قَائِلا لَا يُخرجهُ إِلَّا إِيمَان بِي. قلت: هَذَا لَيْسَ بسديد لِأَنَّهُ على تَقْدِيره يلْزم أَن يكون ذُو الْحَال هُوَ الله تَعَالَى، وَيكون قَوْله لَا يُخرجهُ، مقول القَوْل، وَلَيْسَ كَذَلِك بل ذُو الْحَال هُوَ الضَّمِير الَّذِي فِي خرج وَأَيْضًا فِيهِ حذف الْحَال وَهُوَ لَا يجوز. قَوْله: (إِيمَان) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: لَا يُخرجهُ، وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي: إلَاّ إِيمَانًا، بِالنّصب. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَنْصُوب على أَنه مفعول لَهُ، وَتَقْدِيره: لَا يُخرجهُ مخرج إِلَّا الْإِيمَان والتصديق. قَوْله: (وتصديق برسلي) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو تَصْدِيق، وَفِي بعض النّسخ: (وتصديق) بِالْوَاو الْوَاصِلَة وَهُوَ ظَاهر. قلت: لم أَقف على من ذكر هَذَا رِوَايَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: إِذا كَانَ: بِأَو، الفاصلة، فَمَا مَعْنَاهُ إِذْ لَا بُد من الْأَمريْنِ: الْإِيمَان بِاللَّه والتصديق برسل الله؟ قلت: أَو، هَهُنَا لِامْتِنَاع الْخُلُو مِنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا، أَي: لَا يَخْلُو عَن أَحدهمَا، وَقد يَجْتَمِعَانِ بل يلْزم الِاجْتِمَاع، لِأَن الْإِيمَان بِاللَّه مُسْتَلْزم لتصديق رسله، إِذْ من جملَة الْإِيمَان بِاللَّه الْإِيمَان بأحكامه وأفعاله، وَكَذَا التَّصْدِيق بالرسل يسْتَلْزم الْإِيمَان بِاللَّه، وَهُوَ ظَاهر. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ مِمَّا يدل عَلَيْهِ: أَو، لِأَن الِاجْتِمَاع هَهُنَا لَازم و: أَو، لَا يدل على لُزُوم الِاجْتِمَاع. قَوْله: (أَن أرجعه) يتَعَلَّق بقوله: (انتدب) ، وَأَن مَصْدَرِيَّة، وَأَصلهَا: بِأَن أرجعه، أَي: يرجعه، وَالْبَاء فِي: بِمَا نَالَ، يتَعَلَّق بِهِ، وَمَا، مَوْصُولَة، و: نَالَ، صلتها والعائد مَحْذُوف أَي: بِمَا ناله. قَوْله: (من) للْبَيَان، قَوْله: (أَو غنيمَة) أَو: هَهُنَا لِامْتِنَاع الْخُلُو مِنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا أَعنِي: أَن اللَّفْظ لَا يَنْفِي اجْتِمَاعهمَا، بل يثبت أَحدهمَا مَعَ جَوَاز ثُبُوت الآخر، فقد يَجْتَمِعَانِ. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: مَعْنَاهُ أَن أرجعه بِمَا نَالَ من أجر مُجَرّد وَإِن لم يكن غنيمَة، أَو أجر وغنيمة إِذا كَانَت، فَاكْتفى بِذكر الْأجر أَولا عَن تكراره، أَو أَن: أَو، هَهُنَا بِمَعْنى الْوَاو، كَمَا جَاءَ فِي مُسلم من رِوَايَة يحيى بن يحيى، وَفِي سنَن أبي دَاوُد: من أجر وغنيمة بِغَيْر ألف. وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} (النِّسَاء: ١١ و ١٢) مَعْنَاهُ: وَدين، وَقيل: من وَصِيَّة وَدين، أَو دين دون وَصِيَّة. قَوْله: (أَو أدخلهُ) بِالنّصب عطفا على قَوْله: (أَن أرجعه) . قَوْله: (لَوْلَا) هِيَ الامتناعية لَا التحضيضية، وَأَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع

<<  <  ج: ص:  >  >>