للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٣١ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ عَن الزهْرِيِّ عنْ سَعِيدِ ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ فإنْ تَكُ صالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإنْ تَكُ سِوَى ذالِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عنْ رِقَابِكُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد يبلغ بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن ابْن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار، كلهم عَن سُفْيَان بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حفظناه) ، ويروى: (حفظته) . قَوْله: (عَن الزُّهْرِيّ) ، هُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بِكَلِمَة: عَن، وَفِي رِوَايَة غَيره: من، بدل: عَن. قَوْله: (أَسْرعُوا) ، أَمر من الْإِسْرَاع وَلَيْسَ المُرَاد بالإسراع شدَّة الْإِسْرَاع، بل المُرَاد الْمُتَوَسّط بَين شدَّة السَّعْي وَبَين الْمَشْي الْمُعْتَاد، بِدَلِيل قَوْله فِي حَدِيث أبي بكرَة: (وَإِنَّا لنكاد أَن نرمل) ، ومقاربة الرمل لَيْسَ بالسعي الشَّديد، قَالَه شَيخنَا زين الدّين. قلت: فِي رِوَايَة أبي دَاوُد (عَن عُيَيْنَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: أَنه كَانَ فِي جَنَازَة عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ، وَكُنَّا نمشي مشيا خَفِيفا. فلحقنا أَبُو بكرَة، فَرفع صَوته فَقَالَ: لقد رَأَيْتنَا وَنحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نرمل رملاً) . قَوْله: (نرمل) ، من رمل رملاً ورملانا: إِذا أسْرع فِي الْمَشْي، وهز مَنْكِبه. قلت: مُرَاده الْإِسْرَاع الْمُتَوَسّط، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، فِي (مُصَنفه) من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: (إِن أَبَاهُ أوصاه قَالَ: إِذا أَنْت حَملتنِي على السرير فامشِ مشيا بَين المشيين، وَكن خلف الْجِنَازَة، فَإِن مقدمها للْمَلَائكَة وَخَلفهَا لبني آدم) . قَوْله: (بالجنازة) أَي: يحملهَا إِلَى قبرها. وَقيل: المُرَاد الْإِسْرَاع بتجهيزها وتعجيل الدّفن بعد تَيَقّن مَوته، لحَدِيث حُصَيْن بن وحوح (إِن طَلْحَة بن الْبَراء مرض، فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أرى طَلْحَة إلَاّ وَقد حدث بِهِ الْمَوْت، فآذنوني بِهِ وعجلوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لجيفة مُسلم أَن تحبس بَين ظهراني أَهله) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قلت: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَابْن وحوح بواوين مفتوحتين، وحائين مهملتين أولاهما سَاكِنة، وَهُوَ أَنْصَارِي لَهُ صُحْبَة. قيل: إِنَّه مَاتَ بالعذيب، روى لَهُ أَبُو دَاوُد، وروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (إِذا مَاتَ أحدكُم فَلَا تَحْبِسُوهُ، وأسرعوا بِهِ إِلَى قَبره) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الأول: أظهر، وَقَالَ النَّوَوِيّ الثَّانِي: بَاطِل مَرْدُود، بقوله فِي الحَدِيث: (تضعونة عَن رِقَابكُمْ) ، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْحمل على الرّقاب قد يعبر بِهِ عَن الْمعَانِي، كَمَا تَقول: حمل فلَان على رقبته ذنوبا، فَيكون الْمَعْنى: استريحوا من نظر من لَا خير فِيهِ، وَيدل عَلَيْهِ أَن الْكل لَا يحملونه. قلت: وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أبي دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ الْمَذْكُور. قَوْله: (فَإِن تَكُ) ، أَصله: فَإِن تكن، حذفت النُّون للتَّخْفِيف، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الْجِنَازَة الَّتِي هِيَ عبارَة عَن الْمَيِّت. قَوْله: (صَالِحَة) ، نصب على الخبرية. قَوْله: (فَخير) ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَهُوَ (وَخير، تقدمونها إِلَيْهِ) يَوْم الْقِيَامَة، أَو: هُوَ، مُبْتَدأ أَي: فثمة خير تقدمون الْجِنَازَة إِلَيْهِ، يَعْنِي حَاله فِي الْقَبْر حسن طيب فَأَسْرعُوا بهَا حَتَّى تصل إِلَى تِلْكَ الْحَالة قَرِيبا. قَوْله: (إِلَيْهِ) الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْخَيْر بِاعْتِبَار الثَّوَاب. وَقَالَ ابْن مَالك: رُوِيَ: (تقدمونه إِلَيْهَا) أَي: تقدمون الْمَيِّت إِلَيْهَا أَي: إِلَى الْخَيْر، وَأَنت الضَّمِير على تَأْوِيل الْخَيْر بِالرَّحْمَةِ أَو الْحسنى، قَوْله: (فشر) إعرابه مثل إِعْرَاب: (فَخير) . قَوْله: (تضعونه) أَي: إِنَّهَا بعيدَة من الرَّحْمَة فَلَا مصلحَة لكم فِي مصاحبتها.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْأَمر بالإسراع وَنقل ابْن قدامَة أَن الْأَمر فِيهِ للاستحباب بِلَا خلاف بَين الْعلمَاء. وَقَالَ ابْن حزم: وُجُوبه، وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : جَاءَ عَن بعض السّلف كَرَاهَة الْإِسْرَاع بالجنازة، وَلَعَلَّه يكون مَحْمُولا على الْإِسْرَاع المفرط الَّذِي يخَاف مِنْهُ انفجار الْمَيِّت، وَخُرُوج شَيْء مِنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: وَالْمرَاد بالإسراع شدَّة الْمَشْي، وعَلى ذَلِك حمله بعض السّلف، وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : ويمشون بهَا مُسْرِعين دون الخبب. وَفِي (الْمَبْسُوط) : لَيْسَ فِيهِ شَيْء موقت، غير إِن العجلة أحب إِلَى أبي حنيفَة. قلت: قَوْله: وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة، غير صَحِيح، وَلم يقل أحد مِنْهُم بِشدَّة الْمَشْي، وعذا احب (الْهِدَايَة) الَّذِي لَا يذكر إلَاّ مَا هُوَ الْعُمْدَة عِنْد أبي حنيفَة، يَقُول: ويمشون بهَا مُسْرِعين دون الخبب، وَقَوله: دون الخبب، يدل على أَن المُرَاد

<<  <  ج: ص:  >  >>