خَصَائِص الصَّلَاة، وَهُوَ عدم التَّكَلُّم فِي صَلَاة الْجِنَازَة كَالصَّلَاةِ. قَوْله: (وفيهَا) أَي: وَفِي صَلَاة الْجِنَازَة (تَكْبِير وَتَسْلِيم) كَمَا فِي الصَّلَاة. أما التَّكْبِير فَلَا خلاف فِيهِ، وَأما التَّسْلِيم فمذهب أبي حنيفَة أَنه يسلم تسليمتين، وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث عبد الله بن أبي أوفى أَنه يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: (لَا أَزِيدكُم على مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع أَو هَكَذَا يصنع) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح. وَفِي (المُصَنّف) بِسَنَد جيد عَن جَابر بن زيد وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: أَنهم كَانُوا يسلمُونَ تسليمتين. وَفِي (الْمعرفَة) : روينَا عَن أبي عبد الرَّحْمَن (عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: ثَلَاث كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعلهن، تركهن النَّاس: إِحْدَاهُنَّ: التَّسْلِيم على الْجِنَازَة مثل التسليمتين فِي الصَّلَاة، وَقَالَ قوم: يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة) روى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة وَأبي أُمَامَة بن سهل وَأنس وَجَمَاعَة من التَّابِعين، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق.
ثمَّ: هَل يسرّ بهَا أَو يجْهر؟ فَعَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِخْفَاؤُهَا، وَعَن مَالك: يسمع بهَا من يَلِيهِ، وَعَن أبي يُوسُف: لَا يجْهر كل الْجَهْر وَلَا يسر كل الْإِسْرَار وَلَا يرفع يَدَيْهِ إلَاّ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، لما روى التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، مَرْفُوعا: (إِذا صلى على جَنَازَة يرفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة) . وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ: (ثمَّ لَا يعود) ، وَعَن ابْن عَبَّاس عِنْده مثله بِسَنَد فِيهِ الْحجَّاج ابْن نصير. وَفِي (الْمَبْسُوط) : أَن ابْن عمر وعليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَا: لَا ترفع الْيَد فِيهَا، إلَاّ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن ابْن مَسْعُود، وَابْن عمر، ثمَّ قَالَ: لم يَأْتِ بِالرَّفْع فِيمَا عدا الأولى نَص وَلَا إِجْمَاع. وَحكى فِي (المُصَنّف) عَن النَّخعِيّ وَالْحسن بن صَالح: أَن الرّفْع فِي الأولى فَقَط، وَحكى ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على الرّفْع فِي أول تَكْبِيرَة، وَعند الشَّافِعِيَّة: يرفع فِي الْجَمِيع، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَرُوِيَ مثل قَوْلنَا عَن ابْن عمر وَسَالم وَعَطَاء وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
وكانَ ابنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّي إلَاّ طاهِرا وَلَا تُصَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ
هَذَا أَيْضا مِمَّا اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ على إِطْلَاق الصَّلَاة على صَلَاة الْجِنَازَة.
هَذِه ثَلَاث مسَائِل.
الأولى: أَن عبد الله ابْن عمر كَانَ لَا يُصَلِّي على الْجِنَازَة إلَاّ بِطَهَارَة، وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ غَرَض البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على الشّعبِيّ، فَإِنَّهُ أجَاز الصَّلَاة على الْجِنَازَة بِغَيْر طَهَارَة، قَالَ: لِأَنَّهُ دُعَاء لَيْسَ فِيهَا رُكُوع وَلَا سُجُود. قَالَ: وَالْفُقَهَاء مجمعون من السّلف وَالْخلف على خلاف قَوْله. انْتهى. قلت: وَقَالَ بِهِ أَيْضا مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ والشيعة، وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ ابْن علية: الصَّلَاة على الْمَيِّت اسْتِغْفَار، وَالِاسْتِغْفَار يجوز بِغَيْر وضوء، وأوصل هَذَا التَّعْلِيق مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : عَن نَافِع بِلَفْظ: أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: لَا يُصَلِّي الرجل على الْجِنَازَة إلَاّ وَهُوَ طَاهِر. وَأما إِطْلَاق الطَّهَارَة فَيتَنَاوَل الْوضُوء وَالتَّيَمُّم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز التَّيَمُّم للجنازة مَعَ وجود المَاء إِذا خَافَ فَوتهَا بِالْوضُوءِ، وَكَانَ الْوَلِيّ غَيره، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ، وَعَطَاء وَسَالم وَالنَّخَعِيّ وَعِكْرِمَة وَسعد بن إِبْرَاهِيم وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَرَبِيعَة وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَابْن وهب، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد، وروى ابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس (مَرْفُوعا) (إِذا فجأتك جَنَازَة وَأَنت على غير وضوء فَتَيَمم) . وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَنهُ مَوْقُوفا. وَحَكَاهُ أَيْضا عَن الحكم وَالْحسن، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: لَا يتَيَمَّم. وَقَالَ ابْن حبيب: الْأَمر فِيهِ وَاسع، وَنقل ابْن التِّين عَن ابْن وهب أَنه يتَيَمَّم إِذا خرج طَاهِرا فأحدث، وَإِن خرج مَعهَا على غير طَهَارَة لم يتَيَمَّم.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: أَن عبد الله بن عمر مَا كَانَ يُصَلِّي على الْجِنَازَة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَلَا عِنْد غُرُوبهَا لما روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن أنيس بن أبي يحيى عَن أَبِيه أَن جَنَازَة وضعت، فَقَامَ ابْن عمر قَائِما فَقَالَ: أَيْن ولي هَذِه الْجِنَازَة؟ ليصل عَلَيْهَا قبل أَن يطلع قرن الشَّمْس. وَحدثنَا وَكِيع عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن مَيْمُون، قَالَ: كَانَ ابْن عمر يكره الصَّلَاة على الْجِنَازَة إِذا طلعت الشَّمْس حَتَّى تغيب، وَحدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بكر، يَعْنِي ابْن حَفْص، قَالَ: كَانَ ابْن عمر إِذا كَانَت الْجِنَازَة صلى الْعَصْر ثمَّ قَالَ: عجلوا بهَا قبل أَن تطفل الشَّمْس. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهَة الصَّلَاة على الْجِنَازَة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا، ثمَّ روى حَدِيث عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ: (ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينهانا أَن نصلي فِيهَا، ونقبر فِيهِنَّ مَوتَانا، حِين تطلع الشَّمْس: بازغة حَتَّى ترْتَفع، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تميل، وَحين تضيف الشَّمْس للغروب حَتَّى تغرب) . وَأخرجه مُسلم وَبَقِيَّة أَصْحَاب السّنَن أَيْضا، ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute