الْمَشْي إِلَى الْمَحْشَر، وَتسقط عَنهُ الْمَشَقَّة الَّتِي تحصل لمن بعد مِنْهُ. قَوْله:(أَو نَحْوهَا) أَي: من بَقِيَّة مَا تشد إِلَيْهِ الرّحال من الْحَرَمَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(فَسَأَلَ الله أَن يُدْنِيه من الأَرْض المقدسة) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مَحْمُود بن غيلَان، بالغين الْمُعْجَمَة، مر فِي: بَاب النّوم قبل الْعشَاء. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام، وَقد مضى. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد، وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع: عبد الله بن طَاوُوس، مر فِي: بَاب الْمَرْأَة تحيض. الْخَامِس: طَاوُوس بن كيسَان، وَقد مر غير مرّة. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرجه عَن يحيى بن مُوسَى، وَأخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن مُحَمَّد بن رَافع وَعبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن رَافع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أرسل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمَعْلُوم أَن الله هُوَ الَّذِي أرْسلهُ. قَوْله:(صَكه) أَي: ضربه بِحَيْثُ فَقَأَ عينه، يدل عَلَيْهِ قَوْله:(فَرد الله عينه) ، وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن رَافع وَعبد بن حميد، قَالَ عبد: أخبرنَا، وَقَالَ ابْن رَافع: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه، (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أرسل ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكه ففقأ عينه، فَرجع إِلَى ربه فَقَالَ: أرسلتني إِلَى عبد لَا يُرِيد الْمَوْت. قَالَ: فَرد الله إِلَيْهِ عينه) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة لَهُ:(جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ لَهُ: أجب رَبك، قَالَ: فلطم مُوسَى عين ملك الْمَوْت ففقأها، فَرجع الْملك إِلَى الله فَقَالَ: أرسلتني إِلَى عبد لَك لَا يُرِيد الْمَوْت، وَقد فَقَأَ عَيْني. قَالَ: فَرد الله إِلَيْهِ عينه) الحَدِيث. وَهَذَا الطَّرِيق مَرْفُوع، وَالَّذِي قبله مَوْقُوف كَمَا أخرجه البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: أنكر بعض أهل الْبدع والجهمية هَذَا الحَدِيث، وَقَالُوا: لَا يَخْلُو أَن يكون مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عرف ملك الْمَوْت أَو لم يعرفهُ، فَإِن كَانَ عرفه فقد استخف بِهِ، وَأَن كَانَ لم يعرفهُ فرواية من روى أَنه كَانَ يَأْتِي مُوسَى عيَانًا لَا معنى لَهَا، ثمَّ إِن الله تَعَالَى لم يقْتَصّ لملك الْمَوْت من اللَّطْمَة وفقء الْعين، وَالله تَعَالَى لَا يظلم أحدا.
قَالَ ابْن خُزَيْمَة: وَهَذَا اعْتِرَاض من أعمى الله بصيرته، وَمعنى الحَدِيث صَحِيح، وَذَلِكَ أَن مُوسَى لم يبْعَث الله إِلَيْهِ ملك الْمَوْت وَهُوَ يُرِيد قبض روحه، حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا بَعثه اختبارا وبلاءً، كَمَا أَمر الله تَعَالَى خَلِيله بِذبح وَلَده وَلم يرد إِمْضَاء ذَلِك، وَلَو أَرَادَ أَن يقبض روح مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حِين لطم الْملك لَكَانَ مَا أَرَادَ، وَكَانَت اللَّطْمَة مُبَاحَة عِنْد مُوسَى إِذْ رأى آدَمِيًّا دخل عَلَيْهِ، وَلَا يعلم أَنه ملك الْمَوْت، وَقد أَبَاحَ الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَأَ عين النَّاظر فِي دَار الْمُسلم بِغَيْر إِذن، ومحال أَن يعلم مُوسَى أَنه ملك الْمَوْت ويفقأ عينه، وَقد جَاءَت الْمَلَائِكَة إِلَى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلم يعرفهُمْ ابْتِدَاء، وَلَو علمهمْ لَكَانَ من الْمحَال أَن يقدم إِلَيْهِم عجلاً، لأَنهم لَا يطْعمُون. وَقد جَاءَ الْملك إِلَى مَرْيَم فَلم تعرفه، وَلَو عَرفته لما استعاذت مِنْهُ، وَقد دخل الْملكَانِ على دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي شبه آدميين يختصمان عِنْده فَلم يعرفهما، وَقد جَاءَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَهُ