فَلَا بَأْس بتابوت يتَّخذ للْمَيت، لَكِن السّنة أَن يفرش فِيهِ التُّرَاب. وَقَالَ صَاحب (الْمَبْسُوط) و (الْمُحِيط) و (الْبَدَائِع) وَغَيرهم عَن الشَّافِعِي: أَن الشق أفضل عِنْده، وَهَكَذَا نَقله الْقَرَافِيّ فِي (الذَّخِيرَة) عَنهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : أجمع الْعلمَاء على أَن اللَّحْد والشق جائزان، لَكِن إِن كَانَت الأَرْض صلبة لَا ينهار ترابها، فاللحد أفضل، وَإِن كَانَت رخوة ينهار، فالشق أفضل. قلت: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن: الأول: أَن الأَرْض إِذا كَانَت رخوة يتَعَيَّن الشق فَلَا يُقَال أفضل. وَالثَّانِي: أَنه يصادم الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّحْد لنا والشق لغيرنا) ، وَمعنى (اللَّحْد لنا) أَي: لأجل أموات الْمُسلمين، والشق لأجل أموات الْكفَّار، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: المُرَاد بقوله: (لغيرنا) أهل الْكتاب كَمَا ورد مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرق حَدِيث جرير فِي (مُسْند الإِمَام أَحْمد) : (والشق لأهل الْكتاب) فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل اللَّحْد للْمُسلمين والشق لأهل الْكتاب، فَكيف يكونَانِ سَوَاء؟
على أَنه روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّحْد أَحَادِيث. مِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رَوَاهُمَا ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن وَكِيع عَن الْعمريّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَعَن الْعمريّ عَن نَافِع (عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى أَن يلْحد لَهُ) . وروى ابْن مَاجَه (عَن عَائِشَة، قَالَت: لما مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتلفُوا فِي اللَّحْد والشق حَتَّى تكلمُوا فِي ذَلِك وَارْتَفَعت أَصْوَاتهم، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تصخبوا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيا وَلَا مَيتا، أَو كلمة نَحْوهَا، فأرسلوا إِلَى الشقاق واللاحد جَمِيعًا، فجَاء اللاحد يلْحد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دفن) . وَفِي (طَبَقَات ابْن سعد) من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه (عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ بِالْمَدِينَةِ حفاران) وَفِي رِوَايَة (قباران أَحدهمَا يلْحد وَالْآخر يشق) الحَدِيث. وَمِنْهَا: حَدِيث سعد، رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عَامر بن سعد بن أبي وَقاص: أَن سعد بن وَقاص قَالَ فِي مَرضه الَّذِي هلك فِيهِ: ألحدوا لي لحدا وانصبوا عَليّ اللَّبن نصبا، كَمَا فعل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهَا: حَدِيث أنس رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ قَالَ: (لما توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجل يلْحد وَالْآخر يضرح، فَقَالُوا نستخير رَبنَا ونبعث إِلَيْهِمَا فَأَيّهمَا سبق تَرَكْنَاهُ، فَأرْسل إِلَيْهِمَا فَسبق صَاحب اللَّحْد فلحدوا للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَمِنْهَا: حَدِيث الْمُغيرَة رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن المجالد عَن عَامر قَالَ: قَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة: لحد بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهَا: حَدِيث بُرَيْدَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ (عَن ابْن بردة عَن أَبِيه قَالَ: أَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل الْقبْلَة، وألحد لَهُ لحدا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا) . وَفِي سَنَده أَبُو بردة عَن عَلْقَمَة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو بردة: هَذَا هُوَ عَمْرو بن بريد التَّمِيمِي الْكُوفِي وَهُوَ ضَعِيف. قلت: لكَون هَذَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ بَادر إِلَى تَضْعِيفه. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي طَلْحَة رَوَاهُ ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) قَالَ: (اخْتلفُوا فِي الشق واللحد للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: شَقوا كَمَا يحْفر أهل مَكَّة، وَقَالَت الْأَنْصَار: إلحدوا كَمَا يحْفر بأرضنا، فَلَمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِك قَالُوا: أللهم خر لنبيك، إبعثوا إِلَى أبي عُبَيْدَة وَإِلَى أبي طَلْحَة فَأَيّهمَا جَاءَ قبل الآخر فليعمل عمله. قَالَ: فجَاء أَبُو طَلْحَة فَقَالَ وَالله أنني قد خار لِبَنِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يرى اللحدفيعجبه ثمَّ قَالَ الْحِكْمَة فِي اخْتِيَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّحْد على الشق لكَونه أستر للْمَيت، وَاخْتِيَار للشق للْأَنْصَار فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم: (الْمحيا محياكم وَالْمَمَات مماتكم) ، فَأَرَادَ إعلامهم بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمُوت عِنْدهم وَلَا يُرِيد الرُّجُوع إِلَى بَلَده مَكَّة، فوافقهم أَيْضا فِي صفة الدّفن، وَاخْتَارَ الله لَهُ ذَلِك. وَفِيه حَدِيث رَوَاهُ السلَفِي عَن أبي بن كَعْب يرفعهُ: (اللَّحْد لآدَم وَغسل بِالْمَاءِ وترا. وَقَالَت الْمَلَائِكَة، هَذِه سنة وَلَده من بعده) .
٧٤٣١ - حدَّثنا ابنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثني ابنُ شِهَابٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ عَن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ منْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذا لِلْقُرآنِ فإذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ. وَقَالَ أَنا شَهِيدٌ عَلَى هاؤلَاءِ وَأمَرَ بِدَفْنِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute