للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي بَقِيع) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْقَاف وَهُوَ من الأَرْض مَوضِع فِيهِ أروم شجر من ضروب شَتَّى، وَبِه سمى: بَقِيع الْغَرْقَد، بِالْمَدِينَةِ وَهِي مَقْبرَة أَهلهَا، و: الْغَرْقَد، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: وَهُوَ شجر لَهُ شوك كَانَ ينْبت هُنَاكَ فَذهب الشّجر وَبَقِي الإسم لَازِما للموضع. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قطعت غرقدات فِي هَذَا الْموضع حِين دفن فِيهِ عُثْمَان بن مَظْعُون، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ ياقوت: وبالمدينة أَيْضا بَقِيع الزبير وبقيع الْخَيل عِنْد دَار زيد بن ثَابت وبقيع الخبجبة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الساكنة وَالْجِيم المفوحة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْأُخْرَى، كَذَا ذكره السُّهيْلي، وَغَيره يَقُول: الجبجبة، بجيمين، وبقيع الْخضمات، قَالَ الْخطابِيّ: وَمن النَّاس من يَقُوله بِالْبَاء، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْغَرْقَد وأحدها غرقدة وَإِذا عظمت العوسجة فَهِيَ غرقدة، والعوسج من شجر الشوك لَهُ ثَمَر أَحْمَر مدور كَأَنَّهُ خرز العقيق. وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء المعري: هُوَ نبت من نَبَات السهل، وَقَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الْغَرْقَد ينْبت بِكُل مَكَان مَا خلا حر الرمل، وَذكر ابْن البيطار فِي (جَامعه) أَن الْغَرْقَد اسْم عَرَبِيّ يُسَمِّي بِهِ بعض الْعَرَب النَّوْع الْأَبْيَض الْكَبِير من العوسج. قَالَ أَبُو عمر: إِن مضغه مر. وَفِي الحَدِيث فِي ذكر الدَّجَّال كل شَيْء يواري يَهُودِيّا ينْطق إلَاّ الْغَرْقَد فَإِنَّهُ من شجرهم فَلَا ينْطق، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْغَرْقَد من شجر الْحجاز. وَفِي (الْمُحكم) : بَقِيع الْغَرْقَد يُسمى كفنة لِأَنَّهُ يدْفن فِيهِ. قَوْله: (وَمَعَهُ مخصرة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَالرَّاء: وَهُوَ شَيْء يَأْخُذهُ الرجل بِيَدِهِ ليتوكأ عَلَيْهِ مثل الْعَصَا وَنَحْوه، وَهُوَ أَيْضا مَا يَأْخُذهُ الْملك يُشِير بِهِ إِذا خطب، وَاخْتصرَ الرجل أمسك المخصرة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: التخصير إمْسَاك الْقَضِيب بِالْيَدِ، وَجزم ابْن بطال أَنه الْعَصَا. وَقَالَ ابْن التِّين: عَصا أَو قضيب. قَوْله: (فَنَكس) ، بتَخْفِيف الْكَاف وتشديدها، لُغَتَانِ، أَي: خفض رَأسه وطأطأ بِهِ إِلَى الأَرْض على هَيْئَة المهموم المفكر، وَيحْتَمل أَيْضا أَن يُرَاد بنكس: نكس المخصرة. قَوْله: (ينكت) من النكت، وَهُوَ أَن يضْرب فِي الأَرْض بقضيب يُؤثر فِيهَا، وَيُقَال: النكت قرعك الأَرْض بِعُود أَو بأصبع يُؤثر فِيهَا. قَوْله: (منفوسة) أَي: مصنوعة مخلوقة. قَوْله: (إِلَّا كتب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (مَكَانهَا) ، بِالرَّفْع مفعول نَاب عَن الْفَاعِل، وَأَصله: كتب الله مَكَان تِلْكَ النَّفس المخلوقة، وَكلمَة: من، للْبَيَان. قَوْله: (وَالنَّار) ، قَالَ الْكرْمَانِي: الْوَاو فِي: النَّار، بِمَعْنى: أَو. قلت: لم أدر مَا حمله على هَذَا. قَوْله: (وَإِلَّا) كلمة: إِلَّا، الثَّانِيَة تروى بِالْوَاو وتروى بِدُونِهَا، وَفِيه غرابة من الْكَلَام، وَهِي أَن قَوْله: (مَا من نفس) يحْتَمل أَن يكون بَدَلا من قَوْله: (مَا مِنْكُم) وَأَن يكون إلَاّ ثَانِيًا بَدَلا من إلَاّ أَولا. وَيحْتَمل أَن يكون من بَاب اللف والنشر، وَأَن يكون تعميما بعد تَخْصِيص، إِذْ الثَّانِي فِي كل مِنْهَا أَعم من الأول. قَوْله: (شقية) قَالَ الْكرْمَانِي: بِالرَّفْع أَي: هِيَ شقية. قلت: وَجه ذَلِك هُوَ أَن الضَّمِير فِي قَوْله: (إلَاّ قد كتب) ، يرجع إِلَى قَوْله: (مَكَانهَا) ، لِأَنَّهُ بدل مِنْهُ فَلَا يَصح أَن يكون ارْتِفَاع: شقية، إلَاّ بِتَقْدِير شَيْء مَحْذُوف حِينَئِذٍ وَهُوَ لفظ: هِيَ، على أَنه مُبْتَدأ وشقية خَبره. قَوْله: (فَقَالَ رجل) قيل: إِنَّه عمر، وَقيل: إِنَّه غَيره. قَوْله: (أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا؟) أَي: الَّذِي قدر الله علينا ونتكل؟ أَي: نعتمد؟ وَأَصله: نوتكل، فأبدلت التَّاء من الْوَاو وأدغمت فِي الْأُخْرَى لِأَن أَصله من وكل يكل. قَوْله: (وَنَدع الْعَمَل) أَي: نتركه. قَوْله: (فسيصير) أَي: فسيجريه الْقَضَاء إِلَيْهِ قهرا، وَيكون مآل حَاله ذَلِك بِدُونِ اخْتِيَاره. قَوْله: (فييسرون) ، ذكره بِلَفْظ الْجمع بِاعْتِبَار معنى الْأَهْل، وَوجه مُطَابقَة جَوَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسؤالهم هُوَ أَنهم لما قَالُوا: إِنَّا نَتْرُك الْمَشَقَّة الَّتِي فِي الْعَمَل الَّذِي لأَجلهَا سمي بالتكليف، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا مشقة ثمَّة إِذْ كل ميسر لما خلق لَهُ) ، (وَهُوَ يسيرٌ على من يسره الله عَلَيْهِ) . فَإِن قيل: إِذا كَانَ الْقَضَاء الأزلي يَقْتَضِي ذَلِك، فَلم الْمَدْح والذم وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب؟ أُجِيب: بِأَن الْمَدْح والذم بِاعْتِبَار الْمَحَلِّيَّة لَا بِاعْتِبَار الفاعلية، وَهَذَا هُوَ المُرَاد باكسب الْمَشْهُور عَن الأشاعرة، وَذَلِكَ كَمَا يمدح الشَّيْء ويذم بحسنه وقبحه وسلامته وعاهته. وَأما الثَّوَاب وَالْعِقَاب فكسائر العاديات، فَكَمَا لَا يَصح عندنَا أَن يُقَال: لم خلق الله تَعَالَى الإحتراق عقيب مماسة النَّار وَلم يحصل ابْتِدَاء؟ فَكَذَا هَهُنَا، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْجَواب من الإسلوب الْحَكِيم مَنعهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الاتكال وَترك الْعَمَل، وَأمرهمْ بِالْتِزَام مَا يجب على العَبْد من الْعُبُودِيَّة، وَإِيَّاكُم وَالتَّصَرُّف فِي الْأُمُور الإلهية فَلَا تجْعَلُوا الْعِبَادَة وَتركهَا سَببا مُسْتقِلّا لدُخُول الْجنَّة وَالنَّار، بل إِنَّهَا عَلَامَات فَقَط، وَقَالَ الْخطابِيّ: لما أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سبق الْكتاب بالسعادة رام الْقَوْم أَن يتخذوه حجَّة فِي ترك الْعَمَل، فأعلمهم أَن هُنَا أَمريْن لَا يبطل أَحدهمَا الآخر: بَاطِن

<<  <  ج: ص:  >  >>