للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هُنَا جملَة فعلية مصدرة: بكلما، وَحقه أَن يكون فعلا مضارعا كَمَا فِي غَيره من أَفعَال المقاربة، وَلَكِن ترك الأَصْل شذوذا كَمَا وَقع هُنَا جملَة من فعل مَاض مقدم عَلَيْهِ. قَوْله: (رمى الرجل) ، رُوِيَ بِالرَّفْع وَالنّصب، قَالَه الْكرْمَانِي قلت: وَجه الرّفْع أَن: رمي، على صِيغَة الْمَجْهُول أسْند إِلَيْهِ الرجل، وَوجه النصب أَن: رمي، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الرجل الْقَائِم على شط النَّهر. قَوْله: (فَقلت: مَا هَذَا؟) قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ ذكر فِي المشدوخ بِلَفْظ: من، وَفِي أخواته الثَّلَاثَة بِلَفْظ: مَا؟ قلت: السُّؤَال: بِمن، عَن الشَّخْص، و: بِمَا، عَن حَاله وهما متلازمان، فَلَا تفَاوت فِي الْحَاصِل مِنْهُمَا. أَو لما كَانَ هَذَا الرجل عبارَة عَن الْعَالم بِالْقُرْآنِ ذكره بِلَفْظ: من، الَّذِي للعقلاء، إِذْ الْعلم من حَيْثُ هُوَ فَضِيلَة وَإِن لم يكن مَعَه الْعَمَل بِخِلَاف غَيره، إِذْ لَا فَضِيلَة لَهُم، وَكَأَنَّهُ لَا عقل لَهُم. قَوْله: (وَفِي أَصْلهَا شيخ وصبيان) ، يُرِيد الَّذين هم فِي علم الله من أهل السَّعَادَة من أَوْلَاد الْمُسلمين، قَالَه أَبُو عبد الْملك. قَوْله: (وأدخلاني) ويروى: (فأدخلاني) ، بِالْفَاءِ. قَوْله: (طوفتماني) بالنُّون ويروى: (طوفتما بِي) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من التطويف، يُقَال: طوف إِذا أَكثر الطّواف وَهُوَ الدوران، يُقَال: طَاف حول الْبَيْت يطوف طوفا وطوفانا، وَتَطوف واستطاف كُله بِمَعْنى. قَوْله: (أما الَّذِي رَأَيْته يشق شدقه، فكذاب) ، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الْمَالِكِي: لَا بُد من جعل الْمَوْصُول الَّذِي هَهُنَا للمعين، كالعام، حَتَّى جَازَ دُخُول الْفَاء فِي خَبره أَي: المُرَاد هُوَ وَأَمْثَاله قلت: نقل الطَّيِّبِيّ عَنهُ مَبْسُوطا فَقَالَ: قَالَ الْمَالِكِي: فِي هَذَا شَاهد على أَن الحكم قد يسْتَحق بِجُزْء الْعلَّة، وَذَلِكَ أَن الْمُبْتَدَأ لَا يجوز دُخُول الْفَاء على خَبره إلَاّ إِذا كَانَ شَبِيها بِمن الشّرطِيَّة فِي الْعُمُوم، واستقبال مَا يتم بِهِ الْمَعْنى نَحْو الَّذِي يأتيني فمكرم، فَلَو كَانَ الْمَقْصُود بِالَّذِي مَعنا زَالَت مشابهته بِمن وَامْتنع دُخُول الْفَاء على الْخَبَر كَمَا يمْتَنع دُخُولهَا على أَخْبَار المبتدآت الْمَقْصُود بهَا، التَّعْيِين، نَحْو: زيد مكرم، فمكرم لم يجز، فَكَذَا لَا يجوز الَّذِي يأتيني إِذا قصدت بِهِ معينا، لَكِن الَّذِي يأتيني عِنْد قصد التَّعْيِين شَبيه فِي اللَّفْظ بِالَّذِي يأتيني عِنْد قصد الْعُمُوم، فَجَاز دُخُول الْفَاء حملا للشبيه على الشبيه، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ فبإذن الله} (آل عمرَان: ٦٦١) . فَإِن مَدْلُول: مَا، معِين ومدلول: أَصَابَكُم، مَاض إلَاّ أَنه روعي فِيهِ الشّبَه اللَّفْظِيّ، يشبه هَذِه الْآيَة بقوله: {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} (الشورى: ٠٣) . فَأجرى: مَا، فِي مصاحبة: الْفَاء، مجْرى وَاحِد، ثمَّ قَالَ الطَّيِّبِيّ: أَقُول: هَذَا كَلَام متين، لَكِن جوب الْملكَيْنِ تَفْصِيل لتِلْك الرُّؤْيَا المتعددة المبهمة، فَلَا بُد من ذكر كلمة التَّفْصِيل كَمَا فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) والْحميدِي و (الْمشكاة) أَو تقديرها بِالْفَاءِ جَوَاب أما وَالْفَاء فِي قَوْله: (فأولاد النَّاس) ، جَازَ دُخُوله على الْخَبَر لِأَن الْجُمْلَة معطوفة على مَدْخُول، أما فِي قَوْله أما الرجل الَّذِي رَأَيْته وَحذف الْفَاء فِي بعض المعطوفات نظرا إِلَى أَن أما مَا حذفت حذف مقتضاها، وَكِلَاهُمَا جائزان. قَوْله: (فَنَامَ عَنهُ) أَي: أعرض عَنهُ. و: عَن، هَهُنَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} (الماعون: ٥) . قَوْله: (دَار الشُّهَدَاء) قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ اكْتفى فِي هَذِه الدَّار بِذكر الشُّيُوخ والشباب وَلم يذكر النِّسَاء وَالصبيان؟ قلت: لِأَن الْغَالِب أَن الشَّهِيد لَا يكون إلَاّ شَيخا أَو شَابًّا لَا امْرَأَة أَو صَبيا. فَإِن قلت: مُنَاسبَة التَّعْبِير للرؤيا ظَاهِرَة إلَاّ فِي الزناة، فَمَا هِيَ؟ قلت: من جِهَة أَن العري فضيحة كَالزِّنَا ثمَّ إِن الزَّانِي يطْلب الْخلْوَة كالتنور وَلَا شكّ أَنه خَائِف حذر وَقت الزِّنَا، كَأَنَّهُ تَحت النَّار فَإِن قلت: دَرَجَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رفيعة فَوق دَرَجَات الشُّهَدَاء، فَمَا وَجه كَونه تَحت الشَّجَرَة، وَهُوَ خَلِيل الله وَأَبُو الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ قلت: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنه الأَصْل فِي الْملَّة وَأَن كل من بعده من الْمُوَحِّدين فَهُوَ تَابع لَهُ وبممره يصعدون شَجَرَة الْإِسْلَام ويدخلون الْجنَّة. قَوْله: (دَعَاني) أَي: اتركاني، وَهُوَ خطاب للملكين.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الاهتمام بِأَمْر الرُّؤْيَا واستحباب السُّؤَال عَنْهَا وَذكرهَا بعد الصَّلَاة. وَفِيه: التحذير عَن الْكَذِب وَالرِّوَايَة بِغَيْر الْحق. وَفِيه: التحذير عَن ترك قِرَاءَة الْقُرْآن وَالْعَمَل بِهِ. وَفِيه: التَّغْلِيظ على الزناة. وَوجه الضَّبْط فِي هَذِه الْأُمُور أَن الْحَال لَا يَخْلُو من الثَّوَاب وَالْعِقَاب فالعذاب إِمَّا على مَا يتَعَلَّق بالْقَوْل أَو بِالْفِعْلِ، وَالْأول: أما على وجود قَول لَا يَنْبَغِي أَو على عدم قَول يَنْبَغِي، الثَّانِي: إِمَّا على بدني وَهُوَ الزِّنَا وَنَحْوه، أَو مَالِي وَهُوَ الرِّبَا أَو نَحوه، وَالثَّوَاب إِمَّا لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ودرجته فَوق الْكل مثل السحابة، وَإِمَّا للْأمة وَهِي ثَلَاث دَرَجَات: الْأَدْنَى للصبيان

<<  <  ج: ص:  >  >>