بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي عَن الْمعَافى بن عمرَان عَن زَكَرِيَّاء بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي عَن وَكِيع بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث معَاذًا) وَفِي (الإكليل) لِابْنِ البيع: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، معَاذًا وَأَبا مُوسَى عِنْد انْصِرَافه من تَبُوك سنة تسع، وَزعم ابْن الْحذاء ابْن الْحذاء أَن ذَلِك كَانَ فِي شهر ربيع الآخر سنة عشر، وَقدم فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْحجَّة الَّتِي فِيهَا حج عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا ذكره سيف فِي (الرِّدَّة) وَفِي (الطَّبَقَات) : فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع، وَفِي (كتاب الصَّحَابَة) للعسكري: بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واليا على الْيمن. وَفِي (الِاسْتِيعَاب) : لما خلع من مَاله لغرمائه بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: لَعَلَّ الله أَن يجبرك. قَالَ: وَبَعثه أَيْضا قَاضِيا وَجعل إِلَيْهِ قبض الصَّدقَات من الْعمَّال الَّذين بِالْيمن، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قسم الْيمن على خَمْسَة رجال: خَالِد بن سعيد على صنعاء، وَالْمُهَاجِر بن أبي أُميَّة على كِنْدَة، وَزِيَاد بن لبيد على حَضرمَوْت، ومعاذ على الجندل، وَأبي مُوسَى على زبيد وعدن والساحل. قَوْله:(أدعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إلاه إلَاّ الله وَأَنِّي رَسُول الله) أَي: أدع أهل الْيمن أَولا إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: شَهَادَة أَن لَا إلاه إلَاّ الله، وَالثَّانِي: الشَّهَادَة بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَإِن قلت: كَيفَ كَانَ مَا يَعْتَقِدهُ أهل الْيمن؟ قلت: صرح فِي رِوَايَة مُسلم أَنهم من أهل الْكتاب، حَيْثُ قَالَ عَن ابْن عَبَّاس، (عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إلاه إلَاّ الله وَأَنِّي رَسُول الله) . وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: كَيْفيَّة الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام بِاعْتِبَار أَصْنَاف الْخلق فِي الاعتقادات، فَلَمَّا كَانَ إرْسَال معَاذ إِلَى من يقر بالإل هـ والنبوات، وهم أهل الْكتاب، أمره بِأول مَا يَدعُوهُم إِلَى تَوْحِيد الإل هـ وَالْإِقْرَار بنبوة مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُم وَإِن كَانُوا يعترفون بإل هية الله تَعَالَى وَلَكِن يجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكا، لدَعْوَة النَّصَارَى أَن الْمَسِيح ابْن الله تَعَالَى، ودعوة الْيَهُود أَن عُزَيْرًا ابْن الله، سُبْحَانَهُ عَمَّا يصفونَ، وَأَن مُحَمَّدًا لَيْسَ برَسُول الله أصلا، أَو أَنه لَيْسَ برَسُول إِلَيْهِم، على اخْتِلَاف آرائهم فِي الضَّلَالَة، فَكَانَ هَذَا أول وَاجِب يدعونَ إِلَيْهِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: قيد قوما بِأَهْل كتاب، يَعْنِي: فِي رِوَايَة مُسلم وَفِيهِمْ أهل الذِّمَّة وَغَيرهم من الْمُشْركين، تَفْضِيلًا لَهُم وتغليبا على غَيرهم. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذًا أَن يَدعُوهُم أَولا بتوحيد الله وتصديق نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَلِيل على أَنهم لَيْسُوا بعارفين الله تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَب حذاق الْمُتَكَلِّمين فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَنهم غير عارفين الله تَعَالَى، وَإِن كَانُوا يعْبدُونَ ويظهرون مَعْرفَته لدلَالَة السّمع عِنْدهم، هَذَا، وَإِن كَانَ الْعقل لَا يمْنَع أَن يعرف الله تَعَالَى من كذب رَسُولا. وَقَالَ: مَا عرف الله من شبهه وجسمه من الْيَهُود، أَو أضَاف إِلَيْهِ الود، أَو أضَاف إِلَيْهِ الصاحبة أَو أجَاز الْحُلُول عَلَيْهِ والانتقال والامتزاج من النَّصَارَى، أَو وَصفه بِمَا لَا يَلِيق بِهِ، أَو أضَاف إِلَيْهِ الشَّرِيك والمعاند فِي خلقه من الْمَجُوس والثنوية، فمعبودهم الَّذِي عبدوه لَيْسَ هُوَ الله تَعَالَى، وَإِن سموهُ بِهِ إِذْ لَيْسَ مَوْصُوفا بِصِفَات الإل هـ الْوَاجِبَة، فَأذن مَا عرفُوا الله سُبْحَانَهُ. وَقيل: إِنَّمَا أمره بالمطالبة بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَن ذَلِك أصل الدّين الَّذِي لَا يَصح شَيْء من فروعه إلَاّ بِهِ، فَمن كَانَ مِنْهُم غير موحد على التَّحْقِيق كالبصراني، فالمطالبة موجهة إِلَيْهِ بِكُل وَاحِدَة من الشَّهَادَتَيْنِ، وَمن كَانَ موحدا كاليهود فالمطالبة لَهُ بِالْجمعِ بَين مَا أقرّ بِهِ من التَّوْحِيد، وَبَين الْإِقْرَار بالرسالة. وَفِي (التَّلْوِيح) : أهل الْيمن كَانُوا يهودا لِأَن ابْن إِسْحَاق وَغَيره ذكرُوا أَن تبعا تهود، وَتَبعهُ على ذَلِك قومه. قَوْله:(فَإِن هم أطاعوا لذَلِك) ، أَي: للإتيان بِالشَّهَادَتَيْنِ. قَوْله:(فأعلمهم) ، بِفَتْح الْهمزَة من الْإِعْلَام. قَوْله:(أَن الله قد افْترض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة) ، كلمة: أَن، مَفْتُوحَة لِأَنَّهَا فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان للإعلام، وطاعتهم بِالصَّلَاةِ يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا: يحْتَمل أَن يُرِيد إقرارهم بِوُجُوبِهَا، الثَّانِي: أَن يُرِيد الطَّاعَة بِفِعْلِهَا، ويرجح الأول بِأَن الذّكر فِي لفظ الحَدِيث هُوَ الْإِخْبَار بالفريضة، فتعود الْإِشَارَة بذلك إِلَيْهَا. ويرجح الثَّانِي بِأَنَّهُم لَو أخبروا بِالْوُجُوب فبادروا بالامتثال بِالْفِعْلِ لكفى، وَلم يشْتَرط تلقيهم بِالْإِقْرَارِ بِالْوُجُوب، وَكَذَا الزَّكَاة لَو امتثلوا بأدائها من غير تلفظ بِالْإِقْرَارِ لكفى، فَالشَّرْط عدم الْإِنْكَار والإذعان بِالْوُجُوب لَا بِاللَّفْظِ. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي أَنه رتب دعوتهم إِلَى أَدَاء الزَّكَاة على طاعتهم إِلَى إِقَامَة الصَّلَاة؟ قلت: لم يرتبه تَرْتِيب الْوُجُوب، وَإِنَّمَا رتبه لترتيب الْبَيَان ألَا ترى أَن وجوب الزَّكَاة على قوم من النَّاس دون آخَرين، وَإِن لُزُومهَا بِمُضِيِّ الْحول على المَال، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: يحْتَمل أَن يُقَال: إِنَّهُم إِذا