من أطَاع فِي الصَّلَاة وَجحد الزَّكَاة أَو منعهَا وَإِنَّمَا خص الصَّلَاة وَالزَّكَاة بِالذكر والمقاتلة عَلَيْهِمَا بِحَق الْإِسْلَام لِأَنَّهُمَا إِمَّا الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة والمالية والمعيار على غَيرهمَا والعنوان لَهُ وَلذَلِك سمى الصَّلَاة عماد الدّين وَالزَّكَاة قنطرة الْإِسْلَام وَأكْثر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من ذكرهمَا متقارنتين فِي الْقُرْآن قَوْله " عنَاقًا " بِفَتْح الْعين وَالنُّون الْأُنْثَى من أَولا الْمعز وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد وَالْبُخَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي رِوَايَة " عقَالًا " وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهَا قَدِيما وحديثا فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى أَن المُرَاد بالعقال زَكَاة عَام وَهُوَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة بذلك وَهَذَا قَول الْكسَائي وَالنضْر بن شُمَيْل وَأبي عبيد والمبرد وَغَيرهم من أهل اللُّغَة وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بقول عَمْرو بن الْعَلَاء
(سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبدا ... فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ)
أَرَادَ مُدَّة عقال فنصبه على الظَّرْفِيَّة وَعَمْرو هَذَا هُوَ عَمْرو بن عتبَة بن أبي سُفْيَان السَّاعِي ولاه عَمه مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صدقَات كلب فَقَالَ فِيهِ قَائِلهمْ ذَلِك قَالُوا وَلِأَن العقال الَّذِي هُوَ الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير لَا يجب دَفعه فِي الزَّكَاة فَلَا يجوز الْقِتَال عَلَيْهِ فَلَا يَصح حمل الحَدِيث عَلَيْهِ وَذهب كَثِيرُونَ من الْمُحَقِّقين إِلَى أَن المُرَاد بالعقال الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير وَهَذَا القَوْل محكي عَن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَابْن أبي ذِئْب وَغَيرهمَا وَهُوَ مَأْخُوذ مَعَ الْفَرِيضَة لِأَن على صَاحبهَا التَّسْلِيم وَإِنَّمَا يَقع قبضهَا برباطها وَقيل معنى وجوب الزَّكَاة فِيهِ إِذا كَانَ من عرُوض التِّجَارَة فَبلغ مَعَ غَيره فِيهَا قيمَة نِصَاب وَقيل أَرَادَ بِهِ الشَّيْء التافه الحقير فَضرب العقال مثلا لَهُ وَقيل كَانَ من عَادَة الْمُصدق إِذا أَخذ الصَّدَقَة أَن يعمد إِلَى قرن بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يقرن بِهِ بَين بَعِيرَيْنِ لِئَلَّا تشرد الْإِبِل فيسمى عِنْد ذَلِك الْقرَان فَكل قرنين مِنْهَا عقال وَفِي الْمُحكم والعقال القلوص الْفتية وروى ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب عَن مَالك العقال القلوص وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل إِذا بلغت الْإِبِل خمْسا وَعشْرين وَجَبت فِيهَا بنت مَخَاض من جنس الْإِبِل فَهُوَ العقال وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير كل مَا أَخذ من الْأَمْوَال والأصناف فِي الصَّدَقَة من الْإِبِل وَالْغنم وَالثِّمَار من الْعشْر وَنصف الْعشْر فَهَذَا كُله فِي صنفه عقال لِأَن الْمُؤَدِّي عقل بِهِ عَنهُ طلبة السُّلْطَان وعقل عَنهُ الْإِثْم الَّذِي يَطْلُبهُ الله تَعَالَى بِهِ قَوْله " فَمَا رَأَيْت إِلَّا أَن قد شرح الله صدر أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " أَي فتح ووسع وَلما اسْتَقر عِنْده صِحَة رَأْي أبي بكر وَبَان لَهُ صَوَابه تَابعه على الْقِتَال وَقَالَ عرفت أَنه الْحق حَيْثُ انْشَرَحَ صَدره أَيْضا بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الصّديق نصا وَدلَالَة وَقِيَاسًا فَلَا يُقَال لَهُ أَنه قلد أَبَا بكر لِأَن الْمُجْتَهد لَا يجوز لَهُ أَن يُقَلّد الْمُجْتَهد قَوْله " فَعرفت أَنه الْحق " أَي بِمَا أظهر من الدَّلِيل وَإِقَامَة الْحجَّة فِيهِ دلَالَة على أَن عمر لم يرجع إِلَى قَول أبي بكر تَقْلِيد (فَإِن قلت) مَا النَّص الَّذِي اعْتمد عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمل بِهِ (قلت) روى الْحَاكِم فِي الإكليل من حَدِيث فَاطِمَة بنت خشاف السلمِيَّة عَن عبد الرَّحْمَن الظفري قَالَ بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى رجل من أَشْجَع لتؤخذ صدقته فَرده فَرجع فَأخْبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ ارْجع فَأخْبرهُ أَنَّك رَسُول رَسُول الله فجَاء إِلَى الْأَشْجَعِيّ فَرده فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اذْهَبْ إِلَيْهِ الثَّالِثَة فَإِن لم يُعْط صدقته فَاضْرب عُنُقه قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز أحد رُوَاة الحَدِيث قلت لحكيم وَهُوَ حَكِيم بن عباد بن حنيف أحد رُوَاة الحَدِيث مَا أرى أَبَا بكر لم يقاتلهم متأولا إِنَّمَا قَاتلهم بِالنَّصِّ (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ فَضِيلَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه جَوَاز الْقيَاس وَالْعَمَل بِهِ. وَفِيه جَوَاز الْحلف وَإِن كَانَ فِي غير مجْلِس الحكم. وَفِيه اجْتِهَاد الْأَئِمَّة فِي النَّوَازِل. وَفِيه مناظرة أهل الْعلم وَالرُّجُوع إِلَى قَول صَاحبه إِذا كَانَ هُوَ الْحق وَقَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ وجوب الصَّدَقَة فِي السخال والفصلان والعجاجيل وَإِنَّهَا تجزيء إِذا كَانَت كلهَا صغَارًا وَقَالَ النَّوَوِيّ رِوَايَة العناق مَحْمُولَة على مَا إِذا كَانَت الْغنم صغَارًا كلهَا بِأَن مَاتَت أمهاتها فِي بعض الْحول فَإِذا حَال حول الْأُمَّهَات زكى السخال الصغار بحول الْأُمَّهَات سَوَاء بَقِي من الْأُمَّهَات شَيْء أم لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي من أَصْحَابنَا لَا تزكّى الْأَوْلَاد بحول الْأُمَّهَات إِلَّا أَن يبْقى من الْأُمَّهَات نِصَاب وَقَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا أَن يبْقى من الْأُمَّهَات شَيْء وَيتَصَوَّر ذَلِك أَيْضا فِيمَا إِذا مَاتَ مُعظم الْكِبَار وَحدثت صغَار فحال حول الْكِبَار على بقيتها وعَلى الصغار (قلت) قَوْله هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَهُوَ قَول أبي يُوسُف أَيْضا من أَصْحَابنَا وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لَا تجب الزَّكَاة فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة وَحمل الحَدِيث على صِيغَة الْمُبَالغَة أَو على الْفَرْض وَالتَّقْدِير. وَفِيه أَن من أظهر الْإِسْلَام وَأسر الْكفْر يقبل إِسْلَامه فِي الظَّاهِر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute