وَكَذَلِكَ الْغنم، قَوْله: (على صَاحبهَا) قَالَ بِلَفْظ: على، بَيَانا لاستعلائها وتسلطها عَلَيْهِ. قَوْله: (على خير مَا كَانَت) ، يَعْنِي: فِي الْقُوَّة وَالسمن ليَكُون أَشد لفعلها، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن أبي ذَر: (إلَاّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أعظم مَا كاكنت وأسمنه) ، أَي: أعظم مَا كَانَت عِنْد الَّذِي منع زَكَاتهَا، لِأَنَّهَا قد تكون عِنْده على حالات مرّة هزيلة وَمرَّة سَمِينَة وَمرَّة صَغِيرَة وَمرَّة كَبِيرَة، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا تَأتي على أعظم أحوالها عِنْد صَاحبهَا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (إلَاّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أوفر مَا كَانَت) ، أَي: أحسن مَا كَانَت من السّمن وَصَلَاح الْحَال. قَوْله: (فتطؤه بأخفافها) ، سَقَطت الْوَاو من: تطؤ، عِنْد بعض النَّحْوِيين لشذوذ هَذَا الْفِعْل من بَين نَظَائِره فِي التَّعَدِّي، لِأَن الْفِعْل إِذا كَانَ فاؤه: واوا، وَكَانَ على: فعل، بِكَسْر الْعين كَانَ غير مُتَعَدٍّ غير هَذَا الْحَرْف، وَآخر وَهُوَ: وسع، فَلَمَّا شذا دون نظائرهما أعطيا هَذَا الحكم وَقيل: إِن أَصله: توطىء، بِكَسْر الطَّاء فَسَقَطت لوقوعها بَين يَاء وكسرة، ثمَّ فتحت الطَّاء لأجل الْهمزَة، و: الأخفاف، جمع: خف الْبَعِير، والخف من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الظلْف للغنم والقدم للآدمي والحافر للحمار والبغل وَالْفرس، والظلف للبقر وَالْغنم والظبا وكل حافر منشق منقسم فَهُوَ ظلف، وَقد استعير الظلْف للْفرس. قَوْله: (وتنطحه) قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة: تنطحه، بِكَسْر الطَّاء وَفِيه لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي: الْفَتْح وَالْكَسْر، فالكسر هُوَ الْأَصَح وماضيه مخفف وَقد يشدد وَلَا يخْتَص بالكبش كَمَا ادَّعَاهُ ابْن بل يسْتَعْمل فِي الثور وَغَيره. قَوْله: (وَمن حَقّهَا أَن تحلب على المَاء) أَي لتسقي أَلْبَانهَا أَبنَاء السَّبِيل وَالْمَسَاكِين الَّذين ينزلون على المَاء، وَلِأَن فِيهِ الرِّفْق على الْمَاشِيَة لِأَنَّهُ أَهْون لَهَا وأوسع عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْن بطال: يُرِيد حق الْكَرم والمواساة وشريف الأخلاف، لَا أَن ذَلِك فرض. وَقَالَ أَيْضا: كَانَت عَادَة الْعَرَب التَّصَدُّق بِاللَّبنِ على المَاء. فَكَانَ الضُّعَفَاء يرصدون ذَلِك مِنْهُم. قَالَ: وَالْحق حقان فرض عين وَغَيره، فالحلب من الْحُقُوق الَّتِي هِيَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق. وَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي: الْحق المفترض هُوَ الْمَوْصُوف الْمَحْدُود، وَقد تحدث أُمُور لَا تحد فَتجب فِيهَا الْمُوَاسَاة للضَّرُورَة الَّتِي تنزل من ضيف مُضْطَر أَو جَائِع أَو عَار أَو ميت لَيْسَ لَهُ من يواريه، فَيجب حِينَئِذٍ على من يُمكنهُ الْمُوَاسَاة الَّتِي تَزُول بهَا هَذِه الضرورات. قَالَ ابْن التِّين: وَقيل: كَانَ هَذَا قبل فرض الزَّكَاة، وَفِي (التَّلْوِيح) : وَفِي: بَاب الشّرْب، من كتاب البُخَارِيّ من روى: يجلب، بِالْجِيم أَرَادَ يجلب لموْضِع سقيها فيأتيها الْمُصدق، قَالَ: وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ لقَالَ: أَن يجلب إِلَى المَاء، وَلم يقل: على المَاء. انْتهى. قلت: رَأْي الْكُوفِيّين أَن حُرُوف الْجَرّ يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض، وَيجوز أَن يكون: على، بِمَعْنى: إِلَى. وَفِي (الْمطَالع) : ذكر الدَّاودِيّ أَنه يرْوى: يجلب، بِالْجِيم وَفَسرهُ بالجلب إِلَى الْمُصدق. قَوْله: (لَهَا يعار) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة. وَقَالَ فِي (الْمطَالع) : فِي بَاب منع الزَّكَاة: لَهَا ثعار، بالثاء الْمُثَلَّثَة عِنْد أبي أَحْمد، وَعند أبي زيد: تعار أَو يعار على الشَّك، وَعند غَيرهمَا بالغين الْمُعْجَمَة. وَفِي: بَاب الْغلُول: شَاة لَهَا ثُغَاء أَو يعار، والثغاء للضأن واليعار للمعز. وَفِي (الْمُحكم) : اليعار صَوت الْغنم، وَقيل: صَوت الْمعز، وَقيل: هُوَ الشَّديد من أصوات الشَّاء يعرت تَيْعر وتيعر، الْفَتْح عَن كرَاع. وَقَالَ الْقَزاز: اليعار لَيْسَ بِشَيْء إِنَّمَا هُوَ الثغاء، وَهُوَ صَوت الشَّاة، وَيجوز أَن يكون كتب الْحَرْف بِالْهَمْزَةِ أَمَام الْألف فظنت رَاء. وَقَالَ صَاحب (الْأَفْعَال) : اليعور الشَّاة الَّتِي تبول على محلبها فَيفْسد اللَّبن. قَوْله: (لَا أملك لَك) أَي: للتَّخْفِيف عَنْك، وَقد بلغت إِلَيْك حكم الله. قَوْله: (بِبَعِير) الْبَعِير بقع على الذّكر وَالْأُنْثَى من الْإِبِل، وَيجمع على أَبْعِرَة وبعران. قَوْله: (رُغَاء) أَي: للبعير رُغَاء، بِضَم الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة، والرغاء لِلْإِبِلِ خَاصَّة، وَبَاب الْأَصْوَات يَجِيء فِي الْغَالِب على: فعال، كالبكاء، وعَلى: فعيل كالصهيل، وعَلى: فعللة كالحمحمة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: مَا يدل على وجوب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَأما كَيْفيَّة مقدارها فِي كل صنف فَفِي أَحَادِيث أُخْرَى. وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بَعضهم أَن الْحق غير الزَّكَاة بَاقٍ فِي ألبان الْمَاشِيَة وأثمار الْأَشْجَار للقراء وَأَبْنَاء السَّبِيل. وَقَالُوا: قد عَابَ الله تَعَالَى قوما أخفوا جذاذهم فِي قَوْله: {ليصرمنها مصبحين} (الْقَلَم: ٧١) . أَرَادوا: أَن لَا يُصِيب الْمُسلمين مِنْهَا شَيْء وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: ١٤١) . نَحوا من هَذَا، وَأَنه بَاقٍ مَعَ الزَّكَاة، ويحكى هَذَا عَن الشّعبِيّ وَالْحسن وَعَطَاء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute