هَذَا كُله من التَّرْجَمَة وَقع تَفْسِيرا لقَوْله:(لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى) ، وَالْمعْنَى أَن شَرط التَّصَدُّق أَن لَا يكون مُحْتَاجا وَلَا أَهله مُحْتَاجا وَلَا يكون عَلَيْهِ دين فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فَالْوَاجِب أَن يقْضِي دينه، وَقَضَاء الدّين أَحَق من الصَّدَقَة وَالْعِتْق وَالْهِبَة لِأَن الِابْتِدَاء بالفرائض قبل النَّوَافِل، وَلَيْسَ لأحد إِتْلَاف نَفسه وَإِتْلَاف أَهله وإحياء غَيره، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إحْيَاء غَيره بعد إحْيَاء نَفسه وَأَهله إِذْ هما أوجب عَلَيْهِ من حق سَائِر النَّاس. قَوْله:(وَهُوَ مُحْتَاج) جملَة إسمية وَقعت حَالا، والجملتان بعْدهَا أَيْضا حَال. قَوْله:(فالدين أَحَق) جَزَاء الشَّرْط، وَفِيه مَحْذُوف أَي: فَهُوَ أَحَق وَأَهله أَحَق وَالدّين أَحَق. قَوْله:(وَهُوَ رد) أَي: غير مَقْبُول، لِأَن قَضَاء الدّين وَاجِب وَالصَّدَََقَة تطوع وَمن أَخذ دينا وَتصدق بِهِ وَلَا يجد مَا يقْضِي بِهِ الدّين فقد دخل تَحت وَعِيد من أَخذ أَمْوَال النَّاس، وَمُقْتَضى قَوْله:(وَهُوَ رد عَلَيْهِ) أَن يكون الدّين الْمُسْتَغْرق مَانِعا من صِحَة التَّبَرُّع، لَكِن هَذَا لَيْسَ على الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا يكون مَانِعا إِذا حجر عَلَيْهِ الْحَاكِم، وَأما قبل الْحجر فَلَا يمْنَع، كَمَا تقرر ذَلِك فِي مَوْضِعه فِي الْفِقْه، فعلى هَذَا إِمَّا يحمل إِطْلَاق البُخَارِيّ عَلَيْهِ أَو يكون مذْهبه أَن الدّين الْمُسْتَغْرق يمْنَع مُطلقًا، وَلَكِن هَذَا خلاف مَا قَالَه الْعلمَاء، حَتَّى إِن ابْن قدامَة وَغَيره نقلوا الْإِجْمَاع على أَن الْمَنْع إِنَّمَا يكون بعد الْحجر.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ أخَذَ أمْوَالَ النَّاسِ يُريدُ إتْلَافَهَا أتْلَفَهُ الله
هَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة، قد ذكر فِيهَا خَمْسَة أَحَادِيث معلقَة هَذَا أَولهَا وَهَذَا طرف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَصله البُخَارِيّ فِي الاستقراض فِي: بَاب من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد أداءها أَو إتلافها: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي حَدثنَا سُلَيْمَان عَن بِلَال (عَن ثَوْر بن زيد عَن أبي الْغَيْث عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد أداءها أدّى الله عَنهُ، وَمن أَخذهَا يُرِيد إتلافها أتْلفه الله) .