أَزِيد اَوْ بتوبة. قَوْله: (كَانَ زلفها) أَي: قربهَا. وَقَالَ ابْن سَيّده: زلف الشَّيْء وزلفه قدمه. وَعَن ابْن الْأَعرَابِي: ازلف الشَّيْء قربه، وَفِي (الْجَامِع) : الزلفة تكون الْقرْبَة من الْخَيْر وَالشَّر، وَفِي (الصِّحَاح) : الزلف التَّقْدِيم، عَن أبي عبيد، وتزلفوا وازدلفوا أَي: تقدمُوا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: زلفها، بتَشْديد اللَّام وَالْفَاء، أَي: أسلفها وقدمها. يُقَال: زلفته تزليفاً وأزلفته إزلافاً، بِمَعْنى التَّقْدِيم. وأصل الزلفة: الْقرْبَة، وَفِي بعض نسخ المغاربة: زلفها، بتَخْفِيف اللَّام. قلت: أزلفها بِزِيَادَة الْألف رِوَايَة أبي ذَر، وَرِوَايَة غَيره: زلفها بِدُونِ الالف وبالتخفيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ بِالتَّشْدِيدِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق طَلْحَة بن يحيى عَن مَالك بِلَفْظ: (مَا من عبد يسلم فَيحسن إِسْلَامه إلَاّ كتب الله كل حَسَنَة زلفها ومحى عَنهُ كل خَطِيئَة زلفها) . بِالتَّخْفِيفِ فيهمَا، وللنسائي نَحوه، لَكِن قَالَ: ازلفها، وزلف بِالتَّشْدِيدِ وأزلف بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ الْخطابِيّ. وَفِي (الْمُحكم) : أزلف الشَّيْء: قربه، وزلفه، مخففاً ومثقلا: قدمه، وَفِي (الْمَشَارِق) : زلف بِالتَّخْفِيفِ أَي: جمع وَكسب، وَهَذَا يَشْمَل الْأَمريْنِ، وَأما الْقرْبَة فَلَا تكون إلَاّ فِي الْخَيْر، فَإِن قيل: على هَذَا رِوَايَة غير أبي ذَر راجحة. قلت: الَّذِي قَالَه الْخطابِيّ يساعد رِوَايَة أبي ذَر. فَافْهَم. قَوْله: (كتب الله) أَي: أَمر أَن يكْتب، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق زين بن شُعَيْب عَن مَالك بِلَفْظ: (يَقُول الله لملائكته اكتبوا) . قَوْله: (الْقصاص) ، قَالَ الصغاني: هُوَ الْقود. قلت: المُرَاد بِهِ هَهُنَا مُقَابلَة الشَّيْء بالشَّيْء أَي: كل شَيْء يعمله يعْطى فِي مُقَابِله شَيْء، ان خيرا فخيراً، وَإِن شرا فشراً. قَوْله: (ضعف) قَالَ الْجَوْهَرِي: ضعف الشَّيْء مثله، وضعفاه مثلاه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَلم أوجب الْفَقِيه فِيمَا لَو اوصى بِضعْف نصيب ابْنه مثلي نصِيبه، وبضعفي نصِيبه ثَلَاثَة أَمْثَاله؟ قلت: الْمُعْتَبر فِي الْوَصَايَا والأقارير الْعرف الْعَام لَا الْمَوْضُوع اللّغَوِيّ، أَقُول: الَّذِي قَالَه الجوهرى مَنْقُول عَن أبي عُبَيْدَة، وَلَكِن قَالَ الْأَزْهَرِي: الضعْف فِي كَلَام الْعَرَب الْمثل إِلَى مَا زَاد، وَلَيْسَ بمقصور على المثلين، بل جَائِز فِي كَلَام الْعَرَب أَن تَقول: هَذَا ضعفه أَي: مثلاه وَثَلَاثَة أَمْثَاله، لِأَن الضعْف فِي الأَصْل زِيَادَة غير محصورة. ألَا ترى إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فاؤلئك لَهُم جَزَاء الضعْف بِمَا عمِلُوا} (سبإ: ٥٩) لم يرد مثلا وَلَا مثلين، وَلَكِن أَرَادَ بالضعف الْأَضْعَاف، فَأَقل الضعْف مَحْصُور، وَهُوَ: الْمثل، وَأَكْثَره غير مَحْصُور. فَإِذا كَانَ كَذَلِك يجوز أَن يكون إِيجَاب الْفَقِيه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة غير مَوْضُوع على الْعرف الْعَام، بل لوحظ فِيهِ اللُّغَة.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (يَقُول) ، فِي مَحل النصب على أَنه مفعول ثَان لقَوْله: (سمع) : على قَول من يَدعِي أَنه يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، وَالصَّحِيح أَنه لَا يتَعَدَّى، فَحِينَئِذٍ يكون نصبا على الْحَال، فان قيل: لِمَ لَمْ يقل: قَالَ مناسباً لسمع، مَعَ أَن الْقَضِيَّة مَاضِيَة؟ قلت: أُجِيب لغَرَض الاستحضار كَأَنَّهُ يَقُول الْآن، وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَن يطلع الْحَاضِرين على ذَلِك القَوْل مُبَالغَة فِي تحقق وُقُوع القَوْل، وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ان مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون} (آل عمرَان: ٥٩) من حَيْثُ لم يقل: فَكَانَ. قَوْله: (فَحسن) : عطف على: (أسلم) . قَوْله: (يكفر الله) ، جَزَاء الشَّرْط، أَعنِي قَوْله: اذا، وَيجوز فِيهِ الرّفْع والجزم، كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
(وَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مسغبة ... يَقُول: لَا غَائِب مَا لي وَلَا حرم)
وَذَلِكَ إِذا كَانَ فعل الشَّرْط مَاضِيا وَالْجَوَاب مضارعاً، وَعند الْجَزْم يلتقي الساكنان فَتحَرك الرَّاء بِالْكَسْرِ لِأَن الأَصْل فِي السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ، وَلَكِن الرِّوَايَة هَهُنَا بِالرَّفْع، وَوَقع فِي رِوَايَة الْبَزَّار: كفر الله، بِصِيغَة الْمَاضِي، فَوَافَقَ فعل الشَّرْط. وَقَالَ بَعضهم: يكفر الله، بِضَم الرَّاء، لِأَن إِذا، وَإِن كَانَت من أدوات الشَّرْط لَكِنَّهَا لَا تجزم. قلت: هَذَا كَلَام من لم يشم من الْعَرَبيَّة شَيْئا. وَقد قَالَ الشَّاعِر:
(استغن مَا أَغْنَاك رَبك بالغنى ... وَإِذا تصبك خصَاصَة فَتحمل)
قد جزم إِذا. قَوْله: (تصبك) ، وَقد قَالَ الْفراء: تسْتَعْمل إِذا للشّرط، ثمَّ أنْشد الشّعْر الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَلِهَذَا جزمه قَوْله: (كل سَيِّئَة) كَلَام إضافي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: (يكفر الله) . قَوْله: (كَانَ زلفها) ، جمله فعلية فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة سَيِّئَة. قَوْله: (وَكَانَ بعد ذَلِك) أَي: بعد حسن الْإِسْلَام الْقصاص، وَهُوَ مَرْفُوع لِأَنَّهُ إسم كَانَ، وَهُوَ يحْتَمل أَن تكون نَاقِصَة وَأَن تكون تَامَّة، وَإِنَّمَا ذكره بِلَفْظ الْمَاضِي، وَإِن كَانَ السِّيَاق يَقْتَضِي لفظ الْمُضَارع، لتحَقّق وُقُوعه كَأَنَّهُ وَاقع، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ونادى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute