إلَاّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فإذَا بَلَغَتْ خَمْسا مِنَ الإبِلِ فَفِيهَا شَاة وَفي صدَقَةِ الغَنَمُ فِي سائِمَتِهَا إذَا كانَتْ أرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةَ شاةٌ فإذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ شاتانِ فإذَا زَادتْ عَلَى مائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمَائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثٌ فإذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمَائَةٍ فَفِي كلِّ مائَةِ شاةٌ فإذَا كانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ ناقِصَةً مِنْ أرْبَعِين شَاة وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صدَقَةٌ إلَاّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفي الرِّقة رُبْعُ العُشْرِ فإنْ لَمْ تَكُنْ إلَاّ تِسْعِينَ وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا شيءٌ إلَاّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا..
حَدِيث أنس هَذَا قد تقدم مقطعا بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَهُوَ مُشْتَمل على بَيَان زَكَاة الْإِبِل وَالْغنم وَالْوَرق، وَعبد الله بن الْمثنى أَبُو شيخ البُخَارِيّ احتلف فِيهِ، قَول ابْن معِين، فَقَالَ مرّة: صَالح، وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: قوي، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم وَالْعجلِي. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي، وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع فِي أَكثر حَدِيثه. قلت: قد تَابعه على حَدِيثه هَذَا حَمَّاد ابْن سَلمَة فَرَوَاهُ عَن ثُمَامَة أَنه أعطَاهُ كتابا، زعم أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتبه لأنس وَعَلِيهِ خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه مُصدقا، هَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن أبي سَلمَة عَنهُ، وَقد سقناه بِتَمَامِهِ فِي: بَاب مَا كَانَ من خليطين، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا أَبُو كَامِل، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد قَالَ أخذت هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس عَن أنس: أَن أَبَا بكر. . فَذكره، وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : أخبرنَا النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة أَخذنَا هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة يحدثه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكره، فَظهر من هَذَا أَن حمادا سَمعه من ثُمَامَة وأقرأه الْكتاب، فَانْتفى بذلك تَعْلِيل من أعله بِكَوْنِهِ مُكَاتبَة، وَكَذَا انْتَفَى تَعْلِيل من أعله بِكَوْن عبد الله بن الْمثنى لم يُتَابع عَلَيْهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كتب لَهُ هَذَا الْكتاب) أَي: كتب لأنس، وَكَانَ ذَلِك مَا وَجهه عَاملا على الْبَحْرين وَهُوَ تَثْنِيَة: بَحر، خلاف الْبر مَوضِع مَعْرُوف بَين بحري: فَارس والهند، ومقارب جَزِيرَة الْعَرَب، وَيُقَال: هُوَ اسْم لإقليم مَشْهُور يشْتَمل على مدن مَعْرُوفَة قاعدتها هجر، وَهَكَذَا يتَلَفَّظ بِلَفْظ التَّثْنِيَة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا بحراني. قَوْله: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ذكر التَّسْمِيَة فِي أول كِتَابه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله أَبتر) . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: يسْتَدلّ بِهِ على إِثْبَات الْبَسْمَلَة فِي ابْتِدَاء الْكتب، وعَلى أَن الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لَيْسَ بِشَرْط. قلت: كَمَا ورد الِابْتِدَاء بالبسملة فِي أول كل أَمر، ورد الِابْتِدَاء بِالْحَمْد أَيْضا، وَلَكِن الْجمع بَينهمَا بِأَن الأولية أَمر نسبي فَكل ثَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَالِث أول. فَافْهَم. قَوْله: (هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة) ، أَي: نُسْخَة فَرِيضَة الصَّدَقَة، فَحذف الْمُضَاف للْعلم بِهِ. قَوْله: (الَّتِي) ، كَذَا فِي غير مَا نُسْخَة. وَفِي بَعْضهَا: (الَّذِي) ، وَمعنى الْفَرْض: الْإِيجَاب، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى قد أوجبهَا وَأحكم فَرضهَا فِي كِتَابه الْعَزِيز، ثمَّ أَمر رَسُوله بالتبليغ فأضيف الْفَرْض إِلَيْهِ بِمَعْنى الدُّعَاء إِلَيْهِ، وَحمل النَّاس عَلَيْهِ، وَقد فرض الله طَاعَته على الْخلق فَجَاز أَن يُسمى أمره وتبليغه عَن الله فرضا على هَذَا الْمَعْنى. وَقيل: معنى الْفَرْض هُنَا معنى التَّقْدِير، وَمِنْه: فرض القَاضِي نَفَقَة الْأزْوَاج، وَفرض الإِمَام أرزاق الْجند، وَمَعْنَاهُ رَاجع إِلَى قَوْله: {لنبين للنَّاس مَا نُزِّل إِلَيْهِم} (النَّحْل: ٤٤) . وَقيل: معنى الْفَرْض هُنَا السّنة، وَمِنْه مَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض كَذَا أَي: سنه، وَعَن ثَعْلَب: الْفَرْض الْوَاجِب، وَالْفَرْض الْقِرَاءَة، يُقَال: فرضت حزبي، أَي: قرأته، وَالْفَرْض السّنة. قَوْله: (وَالَّتِي أَمر الله بهَا) ، كَذَا فِي كثير من النّسخ: بهَا، بِالْبَاء وَوَقع أَيْضا: مِنْهَا، بِحرف: من، وَقيل: وَقع فِي كثير من النّسخ بِحَذْف: بهَا، وأنكرها النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) . وَقَوله: (وَالَّتِي) وَقع هُنَا بِحرف الْعَطف، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: الَّتِي، قد ذَكرْنَاهُ: الَّتِي، بِدُونِ حرف الْعَطف على أَنَّهَا بدل من الْجُمْلَة الأولى. قَوْله: (فَمن سئلها) ، بِضَم السِّين أَي: فَمن سُئِلَ الصَّدَقَة من الْمُسلمين، وَهِي الزَّكَاة. قَوْله: (على وَجههَا) ، أَي: على حسب مَا سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فرض مقاديرها. قَوْله: (فليعطها) ، أَي: على هَذِه الْكَيْفِيَّة المبينة فِي الحَدِيث. قَوْله: (وَمن سُئِلَ فَوْقهَا) ، أَي: زَائِدا على الْفَرِيضَة الْمعينَة أما فِي السن أَو الْعدَد. قَوْله: (فَلَا يُعْط) ، ويروى: (فَلَا يُعْطه) ، بالضمير أَي: فَلَا يُعْطي الزَّائِد على الْوَاجِب. وَقيل: لَا يُعْطي شَيْئا من الزَّكَاة لهَذَا الْمُصدق لِأَنَّهُ خَان بِطَلَبِهِ فَوق الْوَاجِب، فَإِذا ظَهرت خيانته سَقَطت طَاعَته، فَعِنْدَ ذَلِك هُوَ يتَوَلَّى إِخْرَاجه أَو يُعْطي لساع آخر. قَوْله: (فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل) إِلَى آخِره شُرُوع فِي بَيَان كَيْفيَّة الْفَرِيضَة، وَبَيَان كَيْفيَّة أَخذهَا. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: فِي أَربع وَعشْرين اسْتِئْنَاف بَيَان لقَوْله: (هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة) كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ إِلَى مَا فِي الذِّهْن، ثمَّ أَتَى بِهِ بَيَانا لَهُ. قَوْله: (فِي أَربع) خبر مُبْتَدأ مُقَدّر مقدما تَقْدِيره فِي أبع وَعشْرين من الْإِبِل زَكَاة وَكلمَة من بَيَانه قَوْله: (فَمَا دونهَا) أَي: فَمَا دون أَربع وَعشْرين. وَقَوله: (من الْغنم) ، مُتَعَلق بالمبتدأ الْمُقدر. قَوْله: (من كل خمس) ، خبر لقَوْله: (شَاة) ، وَكلمَة: من، للتَّعْلِيل، أَي: لأجل كل خمس من الْإِبِل. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: من الْغنم من كل خمس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute