للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي ينْفخ، وَهُوَ من الغطيط، وَهُوَ صَوت النَّفس المتردد من النَّائِم. وَيُقَال: الغطيط صَوت بِهِ بحوحة وَهُوَ كغطيط النَّائِم، أَي شخيره وصوته الَّذِي يردده فِي حلقه وَمَعَ نَفسه، وَسبب ذَلِك شدَّة الْوَحْي وَنَقله، وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلاً} (المزمل: ٥) . قَوْله: (ثمَّ سري عَنهُ) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، أَي: كشف عَنهُ شَيْئا بعد شَيْء بالتدريج. وَقَالَ الْكرْمَانِي: رُوِيَ بتَخْفِيف الرَّاء الْمَكْسُورَة وتشديدها، وَالرِّوَايَة بِالتَّشْدِيدِ أَكثر. قَوْله: (اغسل الطّيب الَّذِي بك) قد قُلْنَا: إِنَّه أَعم من أَن يكون بِثَوْبِهِ أَو بدنه. قَوْله: (ثَلَاث مَرَّات) ، مُبَالغَة فِي الْإِزَالَة، وَلَعَلَّ الطّيب الَّذِي كَانَ على هَذَا الرجل كَانَ كثيرا. وَيُؤَيِّدهُ قَوْله: (متضمخ) قلت: لِأَن بَاب التفعل وضع للْمُبَالَغَة. قَالَ القَاضِي: يحمل قَوْله: ثَلَاث مَرَّات على قَوْله: فاغسله، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إغسله إغسله إغسله ثَلَاث مَرَّات، يدل على صِحَّته مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَلَامه أَنه كَانَ إِذا تكلم بِكَلِمَة أَعَادَهَا ثَلَاثًا. انْتهى. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أمره أَن يَنْزِعهَا نزعا ويغتسل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. قَوْله: (واصنع فِي عمرتك مَا تصنع فِي حجتك) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (كَمَا تصنع) ، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ فِي أَبْوَاب الْعمرَة: (كَيفَ تَأْمُرنِي أَن أصنع فِي عمرتي.

وَفِي مُسلم، من طَرِيق قيس بن سعد عَن عَطاء: (وَمَا كنت صانعا فِي حجتك فَاصْنَعْ فِي عمرتك) ، وَيدل هَذَا على أَنه كَانَ يعرف أَعمال الْحَج قبل ذَلِك. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يخلعون الثِّيَاب ويجتنبون الطّيب فِي الْإِحْرَام إِذا حجُّوا، وَكَانُوا يتساهلون فِي ذَلِك فِي الْعمرَة، فَأخْبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مجراهما وَاحِد. وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ الْأَدْعِيَة وَغَيرهَا مِمَّا يشْتَرك فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ، كَمَا قَالَه: وَزَاد: وَيسْتَثْنى من الْأَعْمَال مَا يخْتَص بِهِ الْحَج، وَقَالَ الْبَاجِيّ: الْمَأْجُور غير نزع الثَّوْب وَغسل الخلوق، لِأَنَّهُ صرح لَهُ بهما فَلم يبْق إلَاّ الْفِدْيَة. وَفِيه نظر، لِأَن فِيهِ حصرا وَقد تبين فِيمَا رَوَاهُ مُسلم من أَن الْمَأْمُور بِهِ الْغسْل والنزع، وَذَلِكَ فِي رِوَايَته من طَرِيق سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن صَفْوَان بن يعلى عَن أَبِيه قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: رجلا، وَهُوَ بالجعرانة وَأَنا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ مقطفات، يَعْنِي: جُبَّة وَهُوَ متضمخ بالخلوق، فَقَالَ: أَنِّي أَحرمت بِالْعُمْرَةِ، وعَلى هَذَا: وَأَنا متضمخ بالخلوق، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كنت صانعا فِي حجك فاصنعه فِي عمرتك. قَوْله: (فَقلت لعطاء) الْقَائِل هُوَ ابْن جريج.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز نظر الرجل إِلَى غَيره وَهُوَ مغطى بِشَيْء وَإِدْخَال رَأسه فِي غطائه إِذا علم أَنه لَا يكره ذَلِك مِنْهُ، فَإِن يعلى أَدخل رَأسه فِيمَا أظل بِهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ علم أَنه لَا يكره ذَلِك فِي ذَلِك الْوَقْت، لِأَن فِيهِ تَقْوِيَة الْإِيمَان بمشاهدة حَال الْوَحْي الْكَرِيم، وَكَذَلِكَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، علم ذَلِك من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى قَالَ للرجل: تَعَالَى فَانْظُر. وَفِيه: أَن الْمُفْتِي إِذا لم يعلم حكم الْمَسْأَلَة أمسك عَن جوابها حَتَّى يُعلمهُ. وَفِيه: أَن من الْأَحْكَام الَّتِي لَيست فِي الْقُرْآن مَا هُوَ بِوَحْي لَا يُتْلَى. وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر الرجل بالفدية، فَأخذ بِهِ الشَّافِعِي وَالثَّوْري وَعَطَاء وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَأحمد فِي رِوَايَة، وَقَالُوا: إِن من لبس فِي إِحْرَامه مَا لَيْسَ لَهُ لبسه جَاهِلا، فَلَا فديَة عَلَيْهِ، وَالنَّاسِي فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة والمزني فِي رِوَايَة عَنْهَا: يلْزمه إِذا غطى رَأسه وَوَجهه مُتَعَمدا أَو نَاسِيا يَوْمًا إِلَى اللَّيْل، فَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَعَلَيهِ صَدَقَة يتَصَدَّق بهَا. وَعَن مَالك: يلْزمه إِذا انْتفع بذلك أَو طَال لبسه عَلَيْهِ. وَفِيه: الْمُبَالغَة فِي الإنقاء من الطّيب. وَفِيه: أَن الْمحرم إِذا كَانَ عَلَيْهِ مخيط نَزعه وَلَا يلْزمه تمزيقه وَلَا شقَّه، خلافًا للنخعي وَالشعْبِيّ حَيْثُ قَالَا: لَا يَنْزعهُ من قبل رَأسه لِئَلَّا يصير مغطيا رَأسه، أخرجه ابْن أبي شيبَة عَنْهُمَا، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَحوه، وَكَذَا عَن الْحسن وَأبي قلَابَة، وَقد وَقع عِنْد أبي دَاوُد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِلَفْظ: (إخلع عَنْك الْجُبَّة، فخلعها من قِبَل رَأسه) . وَعَن أبي صَالح وَسَالم: يخلعه من قبل رجلَيْهِ، وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِذا أحرم وَعَلِيهِ قَمِيص لَا يَنْزعهُ من رَأسه، بل يشقه ثمَّ يخرج مِنْهُ، وَفِيه: اخْتلف الْعلمَاء فِي اسْتِعْمَال الطّيب عِنْد الْإِحْرَام، واستدامته بعده، فكرهه قوم ومنعوه، مِنْهُم مَالك وَمُحَمّد بن الْحسن، ومنعهما عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَعَطَاء وَالزهْرِيّ، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَأَجَابُوهُ مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تمسكا بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (طيبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي لحرمه حِين أحرم، ولحله حِين أحل قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ) ، وَلمُسلم: بذريرة فِي حجَّة الْوَدَاع، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ كَمَا سَيَأْتِي: (وطيبته بمنى قبل أَن يفِيض) . وعنها: (كَأَنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>