ابْن الْجَوْزِيّ: الصَّوَاب حذف على. قَوْله: (فَأصْبح بِذِي الحليفة) أَي: وصل إِلَيْهَا نَهَارا فَبَاتَ بهَا، كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَاب الَّذِي بعده من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (بدنته) قَالَ الْجَوْهَرِي هِيَ: نَاقَة أَو بقرة تنحر بِمَكَّة، سميت بذلك لأَنهم كَانُوا يسمنونها، وَالْجمع بدن بِالضَّمِّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: تكون الْبَدنَة من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى بِشَرْط أَن يكون فِي سنّ الْأُضْحِية، وَهِي الَّتِي استكملت خمس سِنِين. قَوْله: (فَأصْبح بِذِي الحليفة ركب رَاحِلَته) ، وَفِي (صَحِيح مُسلم) عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صلى الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ دعى بناقته فأشعرها فِي صفحة سنامها الْأَيْمن، وسلت الدَّم وقلدها بنعلين، ثمَّ ركب رَاحِلَته، فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ على الْبَيْدَاء أهلَّ بِالْحَجِّ) . وَقَالَ ابْن حزم: فَهَذَا ابْن عَبَّاس يذكر أَنه صلى الظّهْر فِي ذِي الحليفة، وَأنس يذكر أَنه صلَاّها بِالْمَدِينَةِ، وكلا الطَّرِيقَيْنِ فِي غَايَة الصِّحَّة، وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أثبت فِي هَذَا الْمَكَان لِأَنَّهُ ذكر أَنه حضر ذَلِك بقوله: صلى الظّهْر بِالْمَدِينَةِ، ثمَّ إِن ابْن عَبَّاس لم يذكر حضورا فِيهَا أَنَّهَا كَانَت يَوْم خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة، إِنَّمَا عَنى بِهِ الْيَوْم الثَّانِي، فَلَا تعَارض. وَعند النَّسَائِيّ: عَن أنس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صلى الظّهْر بِالْبَيْدَاءِ ثمَّ ركب وَصعد جبل الْبَيْدَاء، وأهلَّ بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة) . وَلَا تعَارض، فَإِن الْبَيْدَاء وَذَا الحليفة متصلتان بعضهما مَعَ بعض، فصلى الظّهْر فِي آخر ذِي الحليفة وَهُوَ أول الْبَيْدَاء. قَوْله: (وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة) ، ذَلِك إِشَارَة إِلَى الْمَذْكُور من ركُوبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته واستوائه على الْبَيْدَاء وإهلاله وتقليده بدنته لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَهُوَ بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا، وَكَذَا فِي ذِي الْحجَّة بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَالْفَتْح هُنَا أشهر. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قَوْله: وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة يحْتَمل أَنه أَرَادَ الْخُرُوج، وَيحْتَمل الإهلال، فأردنا أَن نَعْرِف أَيهمَا أَرَادَ، فَوَجَدنَا عَائِشَة رَوَت فِي صَحِيح مُسلم: (خرجنَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة) . وَفِي الإكليل من حَدِيث الْوَاقِدِيّ عَن ابْن أبي سُبْرَة عَن سعيد بن مُحَمَّد بن جُبَير عَن أَبِيه مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم أَنه قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من الْمَدِينَة يَوْم السبت لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة عشر، فصلى الظّهْر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ) وَزعم ابْن حزم أَنه: (خرح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة نَهَارا بعد أَن تغدى وَصلى الظّهْر بِالْمَدِينَةِ، وَصلى الْعَصْر من ذَلِك الْيَوْم بِذِي الحليفة، وَبَات بِذِي الحليفة لَيْلَة الْجُمُعَة، وَطَاف على نِسَائِهِ ثمَّ اغْتسل ثمَّ صلى بهَا الصُّبْح، ثمَّ طيبته عَائِشَة ثمَّ أحرم وَلم يغسل الطّيب، وأهلَّ حِين انبعثت بِهِ رَاحِلَته من عِنْد مَسْجِد ذِي الحليفة بِالْقُرْآنِ: الْعمرَة وَالْحج مَعًا، وَذَلِكَ قبل الظّهْر بِيَسِير، ثمَّ لبَّى ثمَّ نَهَضَ وَصلى الظّهْر بِالْبَيْدَاءِ، ثمَّ تَمَادى واستهل هِلَال ذِي الْحجَّة. قَالَ: فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: إِنَّه خرج من الْمَدِينَة لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَقد ذكر مُسلم من حَدِيث عمْرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة لَا نرى إلَاّ الْحَج؟ قلت: قد ذكر مُسلم أَيْضا من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، خرجنَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، موافين لهِلَال ذِي الْحجَّة، فَلَمَّا اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنْهَا رَجعْنَا إِلَى من لم تضطرب الرِّوَايَة عَنهُ فِي ذَلِك، وهما: عمر بن الْخطاب وَابْن عَبَّاس، فَوَجَدنَا ابْن عَبَّاس ذكر أَن اندفاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذِي الحليفة بعد أَن بَات بهَا كَانَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَذكر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يَوْم عَرَفَة كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فِي ذَلِك الْعَام، فَوَجَبَ أَن استهلال ذِي الْحجَّة كَانَ لَيْلَة يَوْم الْخَمِيس، وَأَن آخر يَوْم من ذِي الْقعدَة كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء، فصح أَن خُرُوجه كَانَ يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ من ذِي الْحجَّة، ويزيده وضوحا حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: صلينَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا، وَالْعصر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، فَلَو كَانَ خُرُوجه لخمس بَقينَ لذِي الْقعدَة لَكَانَ بِلَا شكّ يَوْم الْجُمُعَة، وَالْجُمُعَة لَا تصلى أَرْبعا، فصح أَن ذَلِك كَانَ يَوْم الْخَمِيس. وَعلمنَا أَن معنى قَول عَائِشَة: لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، إِنَّمَا عنت اندفاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذِي الحليفة، فَلم تعد المرحلة الْقَرِيبَة، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يخرج لسفر لم يخرج إلَاّ يَوْم الْخَمِيس، فَبَطل خُرُوجه يَوْم الْجُمُعَة، وَبَطل أَن يكون يَوْم السبت، لِأَنَّهُ كَانَ يكون حِينَئِذٍ خَارِجا من الْمَدِينَة لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَصَحَّ أَن خُرُوجه كَانَ لست بَقينَ، واندفاعه من ذِي الحليفة لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وتألفت الرِّوَايَات. قَوْله: (فَقدم مَكَّة لأَرْبَع لَيَال خلون من ذِي الْحجَّة) قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا أَفْلح بن حميد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر أَن هِلَال ذِي الْحجَّة كَانَ لَيْلَة الْخَمِيس، الْيَوْم الثَّامِن من يَوْم خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة، وَنزل بِذِي طوى، فَبَاتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute